في العامين الأخيرين تحديداً، تعاني السينما التجارية المصرية إفلاساً مُرعباً، على مستوى الكتابة والسيناريوهات. ذلك أنّ الأفلام الكبرى كلّها صارت تهتم حالياً بمقدار الإبهار في مَشاهد الحركة، التي تجعل الجمهور يشتري تذكرة دخول إلى الصالة لمُشاهدتها. هذا هوس مقبول، إذا كان يوازيه اهتمام بالقصص والأحداث والمنطق الدرامي. لكنّ هذا كلّه يُلقَى جانباً، بحثاً عن الإبهار التقني.
"لص بغداد" (2020) لأحمد خالد موسى، المعروض حالياً في الصالات المصرية، مثالٌ صارخٌ على هذا. فالعمل (المنضوي في فئة أفلام المغامرات)، مقتَبَس أو متأثّر أو مسروق من أفلامٍ أجنبية مشهورة، أهمّها سلسلتا "أنديانا جونز" وNational Treasure، وينتمي إلى النوع نفسه: البحث عن آثار قديمة. لكنّ صناعه لا يهتمّون أبداً بجعل الاقتباسات منطقية ومُنسجمة بعضها مع بعض، أو أنْ تكون للشخصيات هوية وعلاقات واضحة بينها. فالهدف الأهمّ، وربما الوحيد، كامنٌ في الانتقال من مشهد حركة إلى آخر، ومن مطاردة إلى قتال، برّاً وجوّاً وبحراً، من دون دراما وأحداث وشخصيات مهمّة.
يستغل "لص بغداد" النجومية المتصاعدة، في الأعوام الأخيرة، لمحمد عادل إمام، الذي عثر في فيلميه الأخيرين "جحيم في الهند" (2016) لمعتز التوني، و"ليلة هنا وسرور" (2018) لحسين المنياوي، صيغةَ نجاحٍ، بعيداً عن تأثّره بوالده عادل إمام وتقليد أدائه وكوميديّته: الميل أكثر إلى أفلام الحركة الرومانسية الخفيفة. "لص بغداد" يُكمِل مساره هذا، بميزانية وطموحٍ أكبر، إذْ يؤدّي محمد إمام دور يوسف، لص الآثار الساعي مع لصوص آخرين وباحثة في التاريخ (سلمى) إلى بلوغ مقبرة الإسكندر الأكبر، عن طريق 4 مفاتيح لـ4 بلدان مُختلفة تتيح لهم العثور على كنز أثري.
القصة، رغم تقليديتها المصنوعة بـ"قالب" مُختلف مختصّ بفيلم مصري، تسمح بألغاز وتفاصيل ذكية كثيرة، تقود إلى مغامرات مختلفة سعياً وراء المفاتيح. لكن هذا لا يحدث تماماً، فالفيلم يكتفي بأنْ يقود مفتاحا إلى آخر بشكل مُباشر، ما يسمح بالذهاب إلى بلدٍ جديد يحدث فيه مشهد حركة طويل. هذا الشكل يستمرّ حتى النهاية، مع فجوات كثيرة في المنطق، لا في الدراما فقط. فجوات لا يُمكن التصالح معها، كأنْ تلتقي الشخصيات صدفة طوال الوقت، في كلّ بلد تذهب إليه، أو أنْ تكتسب الباحثة فجأة مهارات قتالية قوية، من دون مقدّمة أو إشارة إلى ذلك، كأنّ الأمر بديهي، وصولاً إلى لحظة كوميدية، تتمثّل بقول بطل الفيلم إنّ المفتاح الرابع لا بدّ أنّه موجود في "درع الإسكندر" الغارق في البحر الأبيض المتوسط. فجأة، يذهب الجميع إلى هناك، كأنّ الإشارة إلى البحر كافية لتحديد بقعة معروفة وواضحة. طبعاً يحدث تفصيل فقير ومزعج بهذا الشكل (فقط) لتنفيذ مشهد حركة طويل للغاية، مُصوّر تحت المياه، يتقاتل فيه الجميع ويتصارعون، ويهربون من سمكة قرش. هل أنّ مشاهد الحركة مُرضية، وتستحق هذا القدر من الفجوات واللامنطق الدرامي؟ تنفيذ المشاهد ضعيف، ليس فقط قياساً إلى الأفلام الأجنبية السابق ذكرها (أحدثها مُنتج قبل 15 عاماً)، بل قياساً إلى أفلام مصرية أخرى، كـ"ولاد رزق 2" (2019) لطارق العريان، أو "كازابلانكا" (2019) لبيتر ميمي. فغالبية المَشاهد يُستخدم فيها التصوير البطيء، للتأكيد ربما على أنّ بطل الفيلم هو الذي يؤدّي المَشاهد بنفسه، أو لرؤية المخرج موسى، أو لأيّ سبب آخر. فالمهم أنّ هذا الأمر أضعف كثيراً إيقاع مَشاهد يفترض بها أنْ تكون مَشاهد حركة وسرعة وإبهار. بالإضافة إلى ضعف المؤثّرات البصرية، في المشهد الطويل في البحر وسمكة القرش "الكرتونية"، ومشهد مقبرة الإسكندر في الختام.
اقــرأ أيضاً
أمورٌ تقنية يُمكن التغاضي عنها في إنتاجٍ عربي، لو أنّ الفيلم جادٌّ في تفاصيله الأخرى، وفي حبكته وأحداثه إيجابيات. لكنّ الاهتمام كلّه مُنصبّ على الرغبة في الإبهار، ما جعل مَشاهد الحركة والـ"غرافيك" فقيرة للغاية.
"لص بغداد" (2020) لأحمد خالد موسى، المعروض حالياً في الصالات المصرية، مثالٌ صارخٌ على هذا. فالعمل (المنضوي في فئة أفلام المغامرات)، مقتَبَس أو متأثّر أو مسروق من أفلامٍ أجنبية مشهورة، أهمّها سلسلتا "أنديانا جونز" وNational Treasure، وينتمي إلى النوع نفسه: البحث عن آثار قديمة. لكنّ صناعه لا يهتمّون أبداً بجعل الاقتباسات منطقية ومُنسجمة بعضها مع بعض، أو أنْ تكون للشخصيات هوية وعلاقات واضحة بينها. فالهدف الأهمّ، وربما الوحيد، كامنٌ في الانتقال من مشهد حركة إلى آخر، ومن مطاردة إلى قتال، برّاً وجوّاً وبحراً، من دون دراما وأحداث وشخصيات مهمّة.
يستغل "لص بغداد" النجومية المتصاعدة، في الأعوام الأخيرة، لمحمد عادل إمام، الذي عثر في فيلميه الأخيرين "جحيم في الهند" (2016) لمعتز التوني، و"ليلة هنا وسرور" (2018) لحسين المنياوي، صيغةَ نجاحٍ، بعيداً عن تأثّره بوالده عادل إمام وتقليد أدائه وكوميديّته: الميل أكثر إلى أفلام الحركة الرومانسية الخفيفة. "لص بغداد" يُكمِل مساره هذا، بميزانية وطموحٍ أكبر، إذْ يؤدّي محمد إمام دور يوسف، لص الآثار الساعي مع لصوص آخرين وباحثة في التاريخ (سلمى) إلى بلوغ مقبرة الإسكندر الأكبر، عن طريق 4 مفاتيح لـ4 بلدان مُختلفة تتيح لهم العثور على كنز أثري.
القصة، رغم تقليديتها المصنوعة بـ"قالب" مُختلف مختصّ بفيلم مصري، تسمح بألغاز وتفاصيل ذكية كثيرة، تقود إلى مغامرات مختلفة سعياً وراء المفاتيح. لكن هذا لا يحدث تماماً، فالفيلم يكتفي بأنْ يقود مفتاحا إلى آخر بشكل مُباشر، ما يسمح بالذهاب إلى بلدٍ جديد يحدث فيه مشهد حركة طويل. هذا الشكل يستمرّ حتى النهاية، مع فجوات كثيرة في المنطق، لا في الدراما فقط. فجوات لا يُمكن التصالح معها، كأنْ تلتقي الشخصيات صدفة طوال الوقت، في كلّ بلد تذهب إليه، أو أنْ تكتسب الباحثة فجأة مهارات قتالية قوية، من دون مقدّمة أو إشارة إلى ذلك، كأنّ الأمر بديهي، وصولاً إلى لحظة كوميدية، تتمثّل بقول بطل الفيلم إنّ المفتاح الرابع لا بدّ أنّه موجود في "درع الإسكندر" الغارق في البحر الأبيض المتوسط. فجأة، يذهب الجميع إلى هناك، كأنّ الإشارة إلى البحر كافية لتحديد بقعة معروفة وواضحة. طبعاً يحدث تفصيل فقير ومزعج بهذا الشكل (فقط) لتنفيذ مشهد حركة طويل للغاية، مُصوّر تحت المياه، يتقاتل فيه الجميع ويتصارعون، ويهربون من سمكة قرش. هل أنّ مشاهد الحركة مُرضية، وتستحق هذا القدر من الفجوات واللامنطق الدرامي؟ تنفيذ المشاهد ضعيف، ليس فقط قياساً إلى الأفلام الأجنبية السابق ذكرها (أحدثها مُنتج قبل 15 عاماً)، بل قياساً إلى أفلام مصرية أخرى، كـ"ولاد رزق 2" (2019) لطارق العريان، أو "كازابلانكا" (2019) لبيتر ميمي. فغالبية المَشاهد يُستخدم فيها التصوير البطيء، للتأكيد ربما على أنّ بطل الفيلم هو الذي يؤدّي المَشاهد بنفسه، أو لرؤية المخرج موسى، أو لأيّ سبب آخر. فالمهم أنّ هذا الأمر أضعف كثيراً إيقاع مَشاهد يفترض بها أنْ تكون مَشاهد حركة وسرعة وإبهار. بالإضافة إلى ضعف المؤثّرات البصرية، في المشهد الطويل في البحر وسمكة القرش "الكرتونية"، ومشهد مقبرة الإسكندر في الختام.
أمورٌ تقنية يُمكن التغاضي عنها في إنتاجٍ عربي، لو أنّ الفيلم جادٌّ في تفاصيله الأخرى، وفي حبكته وأحداثه إيجابيات. لكنّ الاهتمام كلّه مُنصبّ على الرغبة في الإبهار، ما جعل مَشاهد الحركة والـ"غرافيك" فقيرة للغاية.