"كا وو": توزيع قفازات ملاكمة للجميع

13 يونيو 2016
من العرض
+ الخط -

لعل متابع المسرحيات التونسية التي تعرضها مختلف القاعات منذ بداية العام، يلتفت إلى تكرّر ثيمة "العنف" في كثير منها، بعضها جعل منه مادة للسخرية أو للتأمل أو تقاطع معه باعتباره عنصراً بارزاً في مركّبات الواقع اليوم، وبعضهم جعل منه عنوان مسرحيته كما هو الحال مع فاضل الجعايبي في مسرحية "عنف"، والتي يمكن اعتبارها مع مسرحية "كا وو" أكثر عملين يشرّحان الظاهرة في تونس اليوم.

تُعرض "كا وو" في "قاعة الفن الرابع" في تونس العاصمة، وهي من إخراج نعمان حمدة عن نص لجميلة الشيحي. المخرج والكاتبة هما أيضاً مجسّدا العرض اللذان نجدهما منذ بدايته جالسين على طرفَي الخشبة قُطرياً، كما هو الحال مع الملاكمين فوق الحلبة، وإن لم يوح الديكور في البداية بذلك إلا أن العنوان (كا وو = الضربة القاضية) يحيل إلى هذه المرجعية. في آخر الخشبة، يظهر حائط فيه مجموعة من الهواتف الحائطية.

تبادر الشيحي بالحديث: "لم أعرف كيف أخرج"، تطلب مساعدة نظيرها، لكنه لا يردّ، فتكرّر ما تقوله مرات عديدة. من هنا، يبدأ التوغّل في الحكايات الفرعية التي يضيئها العمل، تخاطبه مرة أخرى "أنا أعرفك، كل يوم أنت هنا، وكلما ألقيت لك بالسلام لا ترد، أعرف أنك لاعب ملاكمة قديم".

في الحوار الأحادي، تذكر الشيحي حالة تعنيف تعرّضت لها، وتقول "لا بد أن أتعلّم العنف، هل تساعدني؟" لينتهي المشهد الأول. ومن نفس النقطة يبدأ الثاني، تتوسّع البطلة في فكرتها "أحب أن أتعلم العنف حتى ولو أن رائحته نتنة"، وتُحاكم منطق التربية الاجتماعية حيث تقول "تربّينا على اللقاح ضد كل شيء" جاعلة منه منطقاً ينتج ضحايا للعنف.

يتحدّث حمدة لأول مرة حيث يردّ "أنصحك أن تغادري"، وحين يزيد إصرارها يقول "لا يمكنني استعمال العنف. ملاكم قديم، إنها حكاية قديمة لا يمكنني اليوم أن أرجع". يبدو رفضه مُبطناً لفهمٍ لعواقبه لكنه لا يصرّح به.

الدعوة إلى العنف، سيقابلها في فصل لاحق دخول معطى جديد على الخط، إذ يرن أحد الهواتف الحائطية، نسمع صوتاً يدعوه إلى "الجهاد"، يقول للممثل "نشر الإيمان واجب" ويحدّثه عن الحوريات وغير ذلك من أدوات خطاب التطرّف الديني. حين ينتهي الهاتف من حديثه، تلقى له من فوق قفازات الملاكمة.

في هذا الوقت، ترتدي الشيحي ملابسه القديمة، فتظهر في شكل لاعبة ملاكمة. ليشتبك الممثلان في معركة، قبل أن يعلّق حمدة الشيحي في حبل لتبدو مثل كيس الرمل الأسود الذي يتمرّن عليه الملاكمون، وتستمر المعركة بالوضعيات الجديدة.

تتخلل العمل توقفات، يكون فيها النص مقروءاً من خارج الخشبة. تبدو هذه التوقفات شارحة حيث تربط أحداث المسرحية بسياقات الأحداث اليومية، ولكنها أيضاً تبدو مطنبة في النبرة الشعاراتية، قريبة من الخطاب العام الذي يدور في تونس ما يكسر فنّيتها.

سواء في خطابها الترميزي أو المباشر، تضيء "كا وو" ميكانيزمات إيقاظ العنف، وانتقالاته من فئة إلى أخرى، حتى أن الضحية باتت تؤمن هي أيضاً بأنه منقذها. الجميع يرى بضرورة استعماله، وعلى الجميع أن يعرف تكلفة ذلك.

المساهمون