كان جان كابو أحد الرسّامين الذين ذهبوا ضحية عملية "شارلي إيبدو" في السابع من كانون الثاني/ يناير 2015. يهيمن هذا المشهد الأخير على بقية مراحل حياة رسام الكاريكاتير الفرنسي، فإذا جرت استعادته في معرض، غالباً ما يذهب في ظنّ المتلقي أنه سيُؤخذ من هذه الزاوية، أي كـ"شهيد" للفن الكاريكاتيري.
غير أن معرضاً متجوّلاً بين المدن الفرنسية، بعنوان "كابو.. الرسام المواطن"، ينتظم هذه الأيام، يحاول وضع الفنان الفرنسي في سردية مغايرة تماماً عن النظر إليه انطلاقاً من "نهايته التراجيدية"، وفي أحيان كثيرة يبدو هذا الحرص مبالغاً فيه.
معهد ومتحف "أغرو - باري - تاك" (معهد العلوم والصناعات الحيوية والبيئة في باريس) أطلق المبادرة حيث جمع ونسّق أعماله التي أنجزها ما بين عامي 1954 و2015. حقل اهتمام المنظّمين كان بارزاً في خياراتهم، فجرى التركيز مثلاً على الهموم الاجتماعية والبيئية رغم أن الهمّ السياسي كان مركزياً في مشواره.
من ذلك وُضع رسم "رف جناح فراشة في مدغشقر.. يمكن أن يغيّر العالم" كأوّل عمل يستقبل زائر المعرض، رغم أنه رُسِم في سنة 2000.
في هذا السياق، أبرز المعرض تجارب رائدة وثورية قدّمها كابو مثل "الكاركاتيريست الريبورتر" حيث أخرج رسام الكاريكاتير من دوره الثانوي في الصحافة الحديثة.
تصحب كل لوحة معروضة نصوص توضيحية تقدّم سياقات عامة عن المرحلة التي أتت فيها، وأبرز مفرداتها تركيزه على مشاكسة سياسي بعينه، أو تيار سياسي كما فعل مع اليسار في عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ثم مع الإسلاميين في القرن الحالي، مع التركيز على كونه وزّع التهكّم بإنصاف.
يلتقط المعرض فوارق تقنيّة لها دلالاتها في أعمال كابو، مثل استعمال الألوان مع تحويله الهاجس الإيكولوجي إلى أحد ثوابت نقده السياسي والاجتماعي، أو تزايد حدّة "تشويه" الوجوه في رسوماته، وعلاقة ذلك بفلسفة رسم الكاريكاتير بصفة عامة، وصولاً إلى طرح سؤال: هل إن رسم كاريكاتير يعني كراهية الرسام للموضوع؟
بين صورة وأخرى، تشير النصوص المصاحبة إلى انتقالات كابو بين المجلات الساخرة، من "هارا كيري إيبدو" التي أطلقت أبرز أسماء فن الكاريكاتير في النصف الثاني للقرن العشرين في فرنسا، إلى "شارلي إيبدو" التي كانت مشروعاً كاريكاتيرياً بالمطلق (كابو أحدد مؤسّسيه) وضمن هذه المسارات المتشعّبة إشارات عن احتكاكات بالرقابة التي تتشكّل في أكثر من مظهر.
هذه العناصر التي اختارها المعرض في "عملية مونتاج" سيرة الفنان، تبدو في كل مرة وكأنها تريد أن تذهب إلى الحديث عن نهاية كابو لكن من دون أن تقطع الخطوة الأخيرة. حتى أننا في آخر صور المعرض لن نجد أثراً لهذه النهاية رغم ارتباطها العضوي بكل مساره (اللوحة الأخيرة سؤال مراهقة إلى ديغول عما تعنيه الهوية الفرنسية، ليجيبها مثل شرطي يفرّق تجمّعاً: "إذهبي في حال سبيلك").
يمكن أن نلاحظ أيضاً أنه ومن مجمل الـ 22 صورة التي اختيرت للمعرض، واحدة فقط منها عن الإسلام في فرنسا؛ ربما من باب الحرص على شعبية المعرض، أو تفادياً للمشاكل، وربما هو أيضاً حرص على أن لا تخفي رسومات كابو الأخيرة ما وراءها، وتخفي كابو نفسه.