موضة الثقافة في السنوات الأخيرة هي تظاهرات الفن المعاصر وملتقيات الرواية، إذ لا يكاد بلد عربي أن يخلو من هذا أو ذاك، بينما يقلّ الالتفات إلى تظاهرات الأشكال الإبداعية الأخرى، من الشعر والنحت والرقص والموسيقى والقصة، بل إنها لا تضاهي حضور ملتقيات الرواية والفنون المعاصرة.
في تونس، انتظم هذا العام ملتقيان للرواية، أحدهما كان في بنزرت مؤخراً، والآخر اختتم أمس في نابل، كما إن هناك ملتقى للرواية العربية في بيروت انطلق العام الماضي أول مرة، ولا ننسى الملتقى الذي يجري في أيام الإعلان عن "بوكر" الرواية العربية في أبوظبي، وذلك الذي ينعقد مع جائزة "كتارا" في الدوحة، وبالطبع ملتقى القاهرة، وكذلك ملتقى الرواية العربية في مدينة الجديدة في المغرب.
الطريف أن هناك ضيوفاً يحضرون كلّ هذه الملتقيات، وكأنها لا يمكن أن تنعقد من دونهم، بغض النظر عن مستوى إنتاجهم الأدبي. ومعظمهم حائزين على جوائز في الرواية العربية أو حاولوا الفوز بها؛ وعلى رأسهم واسيني الأعرج، وشكري المبخوت، إضافة إلى ليلى الأطرش، وإلياس فركوح، وكمال الرياحي، وأحمد المديني، وحمور زيادة، وعلي بدر، كما نجد ياسين عدنان، ومايا أبو الحيات، ومها حسن ويحيى يخلف وهزاع البراري وآخرين.
وبالعودة إلى تظاهرة فلسطين، فإن بيان "وزارة الثقافة الفلسطينية" منظِّمة الملتقى يعلن أنها حرصت على إطلاقه هذا العام ليتزامن مع "مرور مئة عام على وعد بلفور المشؤوم، وخمسين عاماً على احتلال القدس، وثلاثين عاماً على الانتفاضة الأولى، لتأكيد رسالة الثقافة الفلسطينية الصامدة والحريصة على صيانة الذاكرة والرواية الوطنية في مواجهة رواية الاستعمار الاستيطاني الذي يحاول عزل فلسطين عن محيطها العربي، وعمقها الإنساني".
المحاور التي يتناولها الملتقى متعدّدة الجوانب، ولكن هذا لا يمنع أنها مكرّرة ومستلهمة من الملتقيات الأخرى مع بعض التحويرات هنا وهناك بين "دور المرأة الكاتبة في تطوّر الرواية العربية"، و"سؤال الهوية وتحولات المكان"، و"أدب المنفى والاغتراب"، و"الرؤية النقدية في الرواية الحديثة" ولكن ما علاقة ياسين عدنان وهزاع البراري (أمين عام وزارة الثقافة الأردنية) مثلاً بهذا المحور؟
هناك أيضاً "الرواية العربية في ظل الثورات والحروب" تشارك فيها مها حسن وقد تناولت الموضوع نفسه في ملتقى بيروت العام الماضي. وبينما يحضر ستة ناشرين للمشاركة في محور "تحدّيات النشر والتوزيع وحقوق المؤلف في العالم العربي" يغيب المؤلف الذي ينبغي حضوره ليدافع عن حقوقه لدى الناشر نفسه.
وفي جلسة بعنوان "الجوائز وتأثيرها على كتابة الرواية" وهو محور مهم، فإن المشاركين إما فازوا بالجوائز أو كانوا ضمن لجنة تحكيم فيها، فكيف يمكن تقديم رؤية نقدية حولها؟
أما المتحدثون في جلسة" فلسطين رواية المكان والذاكرة"، فكلهم أسماء من جيل محدّد، وكأن ليس لدى الروائيين الشباب في فلسطين ما يقولونه في هذا المجال.
من جهة أخرى، يحتفي الملتقى بإصدار رواية "نرجس العزلة" للكاتب الفلسطيني الأسير المضرب عن الطعام باسم خندقجي، وهذه بادرة تحسب له، لكنه يستبعد أسماء "إشكالية" تعرّضت للسجن والملاحقة والمصادرة، من بينها الروائي الفلسطيني عبّاد يحيى (ما زالت دعوى "النائب العام" ضده وضد روايته وناشرها وموزعها قائمة وطازجة) والمصري أحمد ناجي، فيا للمفارقة في ثقافة رسمية تأسر الحر، بالتهميش والمصادرة والسجن، وتدافع عن حرية الأسير؛ كيف تفهم المؤسسات الرسمية الحرية فتجزّئها على هذا النحو؟ ألا يبدو الأمر كما لو كان نوعاً من الاضطراب الذي يعتري هذه المؤسسات في فهم الحريات والإبداع والثقافة؟
من هنا، يمكن القول إن أبرز المحاور التي غابت عن ملتقى فلسطين الأول للرواية، هو حرية الخيال الإبداعي، والصراع بين دور المؤسسة الرسمي في قمع الكتاب، وبين ما يتوجّب عليهم من حماية حقّهم في حرية التحليق بمخيلتهم والكتابة من دون حرّاس، خصوصاً في فلسطين.