لا يطلب السوريون كثيراً. يعرفون أن عيد الفطر هذا العام لن يكون كما في السابق، وإن كان البعض يجده فرصة للابتعاد عن الضغوط ولو مؤقتاً. أكثر ما يُعكّر فرحتهم هو فقدانهم أحبتهم. وللفقدان أسباب كثيرة. فقد نزح البعض وهاجر آخرون. وهناك من اعتقل أو استشهد أو فقد.
قبيل العيد، سجّلت أسواق مدينة حلب المقسّمة بين النظام والمعارضة حركة تجارية جيدة، بحسب هالة القاطنة هناك. تقول: "نعيشُ هموماً طيلة أيام السنة. لا يمكن أن نستسلم للأحزان.
لطالما أحب أهالي حلب الفرح. لم تستطع الحرب القضاء على أجواء العيد هنا. أكثر ما يُسعدني هو ازدحام الأسواق في الأيام الأخيرة من رمضان. على الرغم من الدخل المحدود وارتفاع الأسعار، نُخصّص مبلغاً لحاجيات العيد".
وتسعى الفرق التطوعية والجمعيات لإقامة نشاطات ترفيهية للأطفال في العيد. وتقول هيا، وهي ناشطة مدنية في حلب: إنه "على الرغم من جميع المآسي، من حق الطفل أن يشعر بالعيد. وحدهم الأطفال قادرون على اللعب والضحك ونسيان ما يحدث، وإن كان الفقر يحرم عدداً كبيراً منهم من شراء ثياب العيد. بدأنا حملة لجمع تبرعات لشراء هدايا وملابس للأطفال الفقراء".
بدورها، تعيشُ مدينة حمص العيد بوجهين مختلفين، بحسب الناشط الإعلامي من حي الوعر خالد الحمصي. يقول: "تختلف أجواء العيد في حمص المدينة عن الوعر المحاصر. العيد في الأخير من دون روح. منذُ أكثر من سنتين، يعيش سكانه في ما يشبه الأسر وقد حرموا من كل وسائل الفرح. حتى ألعاب الأطفال ليست متوفرة. لا يستطيع الأب أن يشتري ثياباً جديدة لأطفاله". يضيف: "في القسم الآخر من المدينة، الحياة أقرب إلى أن تكون طبيعية. تتوفر معظم السلع على الرغم من ارتفاع أسعارها".
الحصارُ أيضاً يحرم سكان غوطة دمشق من فرحة العيد. يقولُ أبو علي الحسن وقد بدا متفائلاً: "الحياة ستستمر. نخشى فقط أن يرسل لنا النظام عيدية كالعام الماضي، حين قصف مكاناً مخصصاً لألعاب الأطفال، فاستشهد وأصيب كثيرون".
وإلى ريف اللاذقية، يقول هاشم الحاج بكري، وهو ناشط إعلامي، إن اهتمام بعض المنظمات بأطفال المخيمات هو ما سيمنحهم الفرصة ليعيشوا شيئاً من أجواء العيد التي حرموا منها منذ أن نزحوا من مدنهم وقراهم. "العيد هنا سيقتصر على الصغار إن حصلوا على الألعاب والثياب. أما الكبار، فسيزورون المقابر. ما أكثر الشهداء في هذا العيد". يُضيف أن أهالي ريف اللاذقية تخلوا عن تقديم حلوى العيد منذ أكثر من سنتين حزناً على شهدائهم. "ومن المخجل لأي كان هنا أن يُوزّع الحلوى فيما جاره والد شهيد".
من جهةٍ أُخرى، يحرمُ الفقدان البعض من أن يعيشوا فرحة العيد. يقول أبو فيصل، وهو والد أحد المعتقلين "مضت ست سنوات على وجود فيصل في المعتقل، لا نستطيع أن نعيش طقوس العيد وهو ما زال سجيناً. نحاول قدر الإمكان أن نعيش العيد كأي يوم عادي. لن نشعر بالعيد حتى يرجع فيصل".
لا تريد أم أحمد أن تفرح. فقدت ابنها وزوجها في القصف وسافرت ابنتها إلى الخارج. تقول: "أسكن اليوم مع عائلة أخي. لا أحب الحزن وأؤمن بأنهم شهداء. لكن في الوقت نفسه، لا أستطيع أن أفرح. انتهت حياتي بعد موتهما. أستقبل الجيران وأضحك مع الأطفال. لكن أبكي وحدي كثيراً".
بالنسبة إلى أبو راضي، لم يعد العيد أكثر من مناسبة مؤلمة يستذكر فيها أبناءه الذين رحلوا. يقول: "قتلوا فرحة عمري. لا أعتقد أنه يمكن أن أشعر بالفرح بعد الآن. عندما تتوقف الحرب ويتوقف قتل الشباب، يحل العيد". يضيف: "أصيب ابني الأكبر بشظية في رأسه خلال القصف وتوفي بعد شهر. أما راضي، فحاول الانشقاق عن قوات الجيش لكنه اعتقل ووصلنا نبأ موته في السجن. بقي لي أحمد (16 عاماً) وقد أرسلته إلى تركيا خوفاً عليه. أصيبت زوجتي بصدمة نفسية. تتحدث إلى الولدين وكأنهما على قيد الحياة. في العيد الماضي حضّرت لهما الحلويات والطعام الذي يحبانه، وانتظرتهما لساعات حتى يعودا من الجامع. وأنا أعيش معها هذا الوهم". يتابع أنها ما زالت تفكر بفتيات مناسبات لهما للزواج. "اختارت أن تعيش من دون أن تصدق ما حدث، أما أنا، فيحترق قلبي يومياً".
أما أم حامد، وهي والدة شهيد أيضاً، فتسكن مع عائلتها في مدينة غازي عنتاب التركية. قبيل العيد، جاءت وحدها إلى حلب. تقول: "لم أستطع إلا أن أزور قبر ابني في العيد. لا يمكن تركه وحيداً. إنه العيد الأول الذي يقضيه تحت التراب. كان قد وعدني بأننا سنكون معاً في العيد. لذلك، كان لا بد لي أن آتي إليه".
اقرأ أيضاً: أضحى سوري حزين