لم يكن أحد في الداخل الإيراني يتوقع أن تكون لتصريحات مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي، الصدى الذي أخذته عبر الردود عليه، وخصوصاً أن هذه التصريحات جاءت في وقت تتبنى فيه طهران خطاباً معتدلاً في سياستها الخارجية.
وعلى الرغم من أن إيران باتت واضحة بشأن دورها في العراق، إذ تتحدث بشكل رسمي عن وجود مستشارين عسكريين لها على الأرض هناك ليقدّموا الدعم والاستشارات اللازمة للمعنيين من العراقيين، لكن تصريحات يونسي أثارت ضجة كبيرة في العراق وفي إيران في آن واحد، وفتحت باب الانتقادات على مصراعيه، لتنصبّ على يونسي، وعلى الرئيس الإيراني حسن روحاني في آن.
وقال يونسي، في مؤتمر ثقافي عنوانه "إيران... القومية، التاريخ والثقافة"، إن العراق جزء من إيران العظمى، وبغداد بمثابة عاصمة لإيران، مشيراً إلى أن العراق لا يتقاطع حضارياً مع إيران وحسب، بل إن الأراضي العراقية تُعدّ مجالاً حيوياً للهوية والثقافة الإيرانية، فالبلدان لا يمكن أن ينفكّا عن بعضهما بعضاً، فالثقافة والتاريخ والحضارة غير قابلة للتقسيم، وهو ما يعني ضرورة خوض معركة اليوم معاً.
وأشار يونسي، في كلمته، إلى ضرورة تحقّق الوحدة في المناطق التي وصفها بأنها جزء من إيران الكبرى، قائلاً إن "هذه الوحدة لا تعني إزالة الحدود، ولكن على الدول التي تقع في مجال إيران الحيوي أن تتقارب في ما يصب لمصلحتها"، معتبراً أن إيران هي الطرف الحقيقي الذي سيقف في وجه الإرهابيين والمتطرفين، ومن وصفهم بالعثمانيين الجدد، كما ستقف طهران بوجه تسلّط الغرب والصهيونية، مضيفاً أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي حذر فيها من تعاظم النفوذ الإيراني تعني اعترافاً بقوة ودور بلاده، بحسب رأيه.
اقرأ أيضاً: لاريجاني: تصريحات يونسي عن "الإمبراطورية الفارسية" سوء ترجمة
وقُرئ هذا الخطاب على ضفتين، ضفة الحكومة التي يُحسب يونسي عليها، وضفة منتقديها، فدافعت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم عنه، معتبرة أنه تم الترويج للتصريحات بطريقة غير منطقية، وغير صحيحة، قائلة إن هدف بعض الأطراف هو الإيقاع بإيران، وإثارة التوتر بينها وبين دول المنطقة، ولا سيما جيرانها.
واعتبرت أفخم أن من يثير تصريحات يونسي بهذا السياق يعمل على مصادرة الانتصار العراقي على الإرهاب داخل الأراضي العراقية، ويعمل على تحقيق أهداف أخرى، قائلة إن سياسة بلادها تقوم على احترام استقلالية البلدان الأخرى، ومؤكدة أن السياسة الخارجية للحكومة الحالية تقوم على التقارب مع دول المنطقة، ولا سيما البلدان الجارة لإيران.
أما رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، وهو المحسوب على المحافظين إلا أنه يتبنى عادة وجهات نظر معتدلة، تعمل على تخفيف الاحتقان بين التيارات الإيرانية، فاعتبر في لقاء مع قناة "الرأي" الكويتية، أنه كان هناك سوء فهم لتصريحات يونسي، وشكك في أن يكون هناك أخطاء في ترجمة ما أراد يونسي أن يقوله في الحقيقة.
أمثال لاريجاني يقولون إن المقصود هو أن العراق وإيران بلد واحد، تجمعهما ثقافة وتاريخ مشترك، وهو ما يعني ضرورة الوقوف في صف واحد لخوض المعركة ضد الإرهاب.
لكن على الضفة الأخرى، وجد بعض المتشددين في هذه التصريحات فرصة لتوجيه انتقادات شديدة لسياسات متحدث باسم الحكومة الإيرانية، وجاء الانتقاد اللاذع بداية على لسان عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني اسماعيل كوثري، والذي طالب روحاني بمحاسبة شخص ينطق باسم السياسات الخارجية الإيرانية، ويؤثر على مصالح البلاد، بل ويهدد الأمن القومي، بحسب رأيه.
ونقلت وكالة "أنباء فارس" عن كوثري مطالبته المعنيين في الأجهزة القضائية والأمنية بمحاسبة يونسي، معتبراً أنه لا يمكن أن يقول يونسي شيئاً من دون أن يحسِب له حساب، فالرجل كان وزيراً للاستخبارات في زمن الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، و"تجربة من هذا النوع لا بد أنها علمته كيف يبتعد عن زلات اللسان"، بحسب قول كوثري، الذي اعتبر أنه في حال لم تتم محاسبة يونسي على فعلته، فسيكون هذا بسبب صداقته للرئيس الحالي.
ولم يكتفِ المحافظون بتوجيه الانتقادات الكلامية، واعتبارهم أن كلام يونسي الذي لا يعد جزءاً من مسؤولياته سيحمل روحاني وحكومته الكثير، بل إن عشرين نائباً وقّعوا على عريضة تطالب الرئيس الإيراني بمحاسبة يونسي أيضاً، وقدّموها للهيئة الرئاسية للبرلمان خلال جلسة أمس الأحد العلنية. واعتبر بعضهم الآخر بأن كلام يونسي مُخطط له ويُصادر ببساطة جهود قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في العراق، كما قال عضو اللجنة المركزية في تجمّع مناضلي الثورة الإسلامية، عشرت شايق، حسب ما نقلت وكالة "أنباء فارس" عنه.
هذا الجدل ذكّر بأيام خلت، ففي عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، أثار صهره ومدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي، جدلاً شبيهاً، فهذا الأخير أطلق تصريحات في أماكن مختلفة داخل إيران وخارجها حاول خلالها الترويج لشعارات إيران القومية وليس إيران الإسلامية، وهو ما فتح النار عليه وعلى نجاد من قبل عديدين، ولا سيما المتشددين والتقليديين من المحافظين، وأدى هذا في النهاية إلى تقسيم المحافظين على جبهات عدة، منها الجبهة الموالية لنجاد والتي أصبحت في فترة رئاسته الأخيرة تُوصف بـ"تيار الانحراف".
اليوم تتناقل المواقع الإيرانية المنتقدة ليونسي والمحسوبة على المحافظين بشكل أو بآخر، تعبير "فتنة يونسي"، ومنهم من اعتبر أنه يكمل طريق مشائي، ولا ينتقدون طريقة كلام يونسي عن النفوذ الإيراني، بل يأتي الانتقاد على محاولته التسويق لإيران "الإمبراطورية" بعيداً عن خطاب إيران "الجمهورية الإسلامية".
ويرى المراقبون أن كل هذا الجدل فُتح بسبب الخلافات الموجودة أساساً بين التيارات السياسية الإيرانية، والتي تبقى في سياق تنافس سياسي طبيعي، إلا أنه من جهة أخرى ينقل القلق في الداخل الإيراني من تصريحات من هذا النوع، وهي التي قد تؤثر سلباً على إيران في مرحلة أيّد فيها الكل من جميع التيارات على بدء الحوار مع الغرب، لحلحلة أزمة النووي من جهة، ولتحسين صورة إيران الدبلوماسية من جهة أخرى، وتصريحات من هذا النوع لن تكون لصالح إيران، ولا سيما أن شعبية هذا البلد قد تراجعت أساساً لدى بعض الأطراف في المنطقة، بسبب المواقف الإيرانية المختلفة من احتجاجات الربيع العربي.