لم تمض بضعة شهور على إصدار الباحثة التونسية جليلة عمامي كتاب "الثقافي والسياسي في فكر غرامشي" حتى ظهر كتاب "التفكير في الانتقال مع غرامشي" لـ بكار غريب. وإذا كان العمل الأول ينطلق من منظور ثقافي، فإن الثاني يستند إلى المقاربات الاقتصادية، وفي المحصلة يبدو أن ثمّة حالة من الالتفات التونسي نحو مفاهيم وأطروحات المفكّر الإيطالي أنطونيو غرامشي.
إلى أي حدّ تتحوّل هذه الاستعانة بالمفاهيم الغرامشية إلى أحد ثوابت المقاربات للواقع التونسي؟ سؤال يثيره تواتر الأعمال التونسية المنطلقة من صاحب "دفاتر السجن" في السنوات الأخيرة، والتي تُضاف إلى دراسات باحثين وأكاديميين سابقين مثل الطاهر لبيب وخليفة يحيى.
تًحاول الندوة التي تنظّمها اليوم كل من "جامعة جندوبة" ومؤسسة "روزا لوكسمبورغ" في قاعة "ماجستيك" في تونس العاصمة، أن تتناول هذا السؤال وتفحص مختلف جوانبه. تحمل الندوة عنوان "العودة إلى غرامشي" ويشارك فيها باحثون من تونس وإيطاليا.
افتتحت الفعاليات بورقة الباحثة الإيطالية أليساندرا مارشي حول "التراث الثقافي لمفكّر ثوري" تناولت فيها قدرة المقاربات الغرامشية على التطبيق في أكثر من فضاء ثقافي وسياسي، ومن بين ذلك معالجته لقضية التفاوت بين شمال إيطالي معصرن وجنوب متخلّف، وهي قضية رغم كونها تبدو محلية، فإن الجانب النظري من معالجة غرامشي يجعلها قابلة للتطبيق في أكثر من فضاء، ومنها الحالة التونسية التي نجد فيها أن السواحل تحظى بتنمية أعلى من المناطق الداخلية، وكان ذلك أحد أسباب انبثاق مسار ثوري عاشته البلاد منذ 2010.
وفي مداخلته، تعرّض السيسولوجي التونسي الطاهر لبيب إلى "غرامشي في خطاب المثقّفين العرب"، قبل أن تُلقي جليلة عمامي كلمة بعنوان "غرامشي حالاً"، فيما يختم أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية صالح مصباح الندوة بمحاضرة بعنوان "غرامشي وما بعد الاستعمار".