"عجقة سير"

14 اغسطس 2018
الزحمة متوطّنة في العاصمة بيروت (Getty)
+ الخط -


"عجقة سير وما في غير جانح طير يوصّلني، لا السيّارة فيها تطير ولا الطيّارة حجما زغير، حمّي قلبك وانقلني (...)". لازمة أغنية عاطفيّة لحّنها الكبير فيلمون وهبي وأدّاها مع الفنّانة نهاد سرور، غير أنّ ذلك لم يحدث قبل وقت قصير. هو رحل عن عالمنا هذا في منتصف ثمانينيّات القرن الماضي، أمّا هي فقد تركت الساحة الفنيّة قبل مدّة ليست بضئيلة.

أغنية عاطفيّة يصحّ تردادها اليوم، مع تحميلها نفساً احتجاجيّاً إذا صحّ التوصيف. قبل عقود، اشتكى مؤلّفها من زحمة السير التي كانت تعوّق الحركة على طرقات لبنان، لا سيّما الساحليّة منها. واليوم، يصحّ تردادها في الزحمة الخانقة التي تمدّدت لتطاول الطرقات الجبليّة. هذه الأغنية قد يردّدها من وُلد قبل تسعينيّات القرن الماضي، مثلما قد يردّد "زحمه يا دنيا زحمه" لأحمد عدويّة.

***

عند تقاطع للطرق في إحدى ضواحي بيروت، توقّفت سيّارة بدفع رباعيّ رماديّة اللون. شارة السير حمراء اللون والساعة تشير إلى الحادية عشرة ليلاً. تُطلق سيّارة صغيرة بيضاء خلفها، بوقها. الشاب، سائق سيّارة الدفع الرباعي، يبقى متسمّراً في مكانه، في حين تصرّ الشابة، سائقة السيّارة الصغيرة، على إطلاق بوقها. لا تلقى أيّ تجاوب، فتتجاوز بعد جهد السيّارة التي تتقدّمها وتتوقّف للحظة بالقرب منها وهي تصرخ بأعلى صوتها "شو مفكّر حالك بكندا"؟! يعيد الصدى استهجانها. "كندا. يا ليت الأمر ممكن!" يعلّق الشاب، في حين تختفي السيّارة الصغيرة البيضاء سريعاً في عتمة ذلك الليل.

انفعال الشابة والسرعة الجنونيّة التي كانت تقود بها سيّارتها الصغيرة ليسا أمراً استثنائياً على الطرقات اللبنانيّة، لا بل هو يُصنَّف الأقلّ حدّة على سلّم الحوادث المرتبطة بـ"سعار القيادة". بالفعل، في هذا السياق، سجّل لبنان حوادث عدّة وصلت إلى حدّ إطلاق النار والقتل، في حين تكثر ملاحقة المركبات بعضها بعضاً وقطع الطريق أمامها وتعريض حياة ركّابها إلى الخطر وافتعال اصطدامات مروريّة بالإضافة إلى الشتائم والصراخ وما شاكل ذلك.




مهلاً. الأمر غير محصور بطرقات لبنان ولا بسائقي لبنان. "سعار القيادة" صار مصطلحاً مستخدماً للإشارة إلى القيادة المتهوّرة المفرطة، في أواخر ثمانينيّات القرن الماضي بالولايات المتحدة الأميركيّة. وتسعى جهات معنيّة في بلدان عدّة إلى إيجاد حلول مناسبة، لعلّ أبرزها الحدّ من زحمة السير أو التدريب على كيفيّة التعامل معها. نحن جميعاً نستهلّ نهاراتنا بها، أمّا هي فتساهم في ارتفاع هرمون كورتيزول وهرمون سيروتونين اللذَين يخلّفان سلوكيّات اندفاعيّة متهوّرة لدينا.
دلالات
المساهمون