"طلقت نفسي" في سورية

10 نوفمبر 2017
للحرب والتهجير ظروفهما وأحكامهما (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد الرجال وحدهم يملكون قرار الطلاق في سورية، بل لبعض النساء ذلك حالياً بعدما اتفقن على أن تكون العصمة في أيديهن

الحرب في سورية تزيد حالات الطلاق وهو ما تؤكده الأرقام. لكنّ المختلف عن أيام ما قبل الحرب عام 2011 أنّ نوعاً آخر من الطلاق ترتفع نسبته وهو الذي تقدم عليه النساء اللواتي يملكن العصمة بحسب اتفاق مسبق مع الزوج.

ترى الدمشقية سميحة داري أنّ تطليقها من زوجها الذي سافر إلى ألمانيا منذ ثلاثة أعوام ولم يسعَ إلى لمّ شملها، هو أبسط حقوقها التي منحها لها القانون والشرع. تقول داري، وهي من حي دمّر في دمشق: "حصلت على وكالة من زوجي قبل سفره، واتفقنا أني سأطلّق نفسي وفق الوكالة إن تأخر عن استقدامي أكثر من عام... صبرت عليه أكثر من عامين وهو يتلكأ، فطلقت نفسي منه". تشير السيدة السورية في اتصال مع "العربي الجديد" إلى أنّها ليست الوحيدة التي تسببت هجرة الرجال بطلاقهن، لكنّ معظم النسوة لم يزلن على ذمة رجالهن، لأنهن لا يملكن العصمة ولم يحصلن على تفويض أو وكالة تخولهن تطليق أنفسهن.

من جهته، يفرّق المحامي السوري محروس فؤاد من ريف إدلب، بين الحالات التي يمكن للمرأة خلالها، تطليق نفسها، إذ هناك حالتان، الأولى التي نصّت عليها المادة 78 من قانون الأحوال الشخصية والتي تجيز للزوج أن يمنح هذا الحق للزوجة، وذلك خلال عقد القران، وهو في هذه الحالة تفويض تمليك ولا يحق للزوج التراجع عنه، فهو مسجل وحق للمرأة كما المهر: "تتراوح صلاحية المرأة بتطليق نفسها بهذه الحالة على حسب التفويض، إذ هناك نوع الطلقة الواحدة التي يمكن خلالها استرداد الزوج وهناك الطلقات الثلاث، أي الطلاق البائن بينونة كبرى".

وعن الحالة الثانية من منح المرأة العصمة، يضيف فؤاد لـ"العربي الجديد" تأتي الحالة الأخرى من خلال تفويض "وكالة" يمنحها الرجل للزوجة بعد الزواج، ما يخولها تطليق نفسها، متى شاءت .

ويبيّن المحامي السوري أنّ الحالة الثانية، أي التفويض، انتشرت بكثرة خلال الحرب المندلعة بسورية منذ ستة أعوام، عازياً السبب لكثرة هجرة الرجال ولزواج الرجل أكثر من زوجة "معظم الزوجات يشترطن خلال عقد القران أن تتحول العصمة ليدهنّ إن تزوج الزوج بإمرأة ثانية" .

وكانت بيانات صادرة قبل أيام، عن القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي أكدت أنّ نسبة الطلاق بين المفوضات بطلاق أنفسهن، قد بلغت 70 في المائة خلال العام الجاري. وارتفع عدد حالات الطلاق بسورية بشكل عام، منذ عام 2011 حتى الآن، إذ تشير إحصاءات المحكمة الشرعية أنّه عام 2010 بلغت عقود الزواج 21 ألف عقد زواج، قابلها في العام نفسه 5318 حالة طلاق. ومع بداية الأزمة عام 2011 بلغ عدد عقود الزواج المسجلة لدى المحكمة الشرعية 18875 عقداً قابلها 4980 حالة طلاق. أما عام 2012 فبلغ عدد عقود الزواج 20270 عقداً قابلها 4110 حالات طلاق. وعام 2013 وصل عدد عقود الزواج إلى 23110 عقود قابلها 5210 حالات طلاق. عام 2014 سجلت المحكمة 27355 عقد زواج قابلتها 6514 حالة طلاق. ارتفع عدد عقود الزواج عام 2015 إلى 33 ألفاً قابلها 7028 حالة طلاق. عام 2016 سجلت المحكمة 27430 عقد زواج قابلها 7423 حالة طلاق. وبالمقارنة بين الأرقام المذكورة يتبين ازدياد الزواج والطلاق على حد سواء، ليصل إلى أوجِهِ عام 2016 بنسبة 27.6 في المائة من حالات الزواج.

يقول رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار في تركيا غزوان قرنفل: "بشكل عام، فإنّ ارتفاع نسبة الطلاق يمثل واحدة من نتائج الصراع والتفكك المجتمعي وتمزق العائلات وتوزعها في مناطق النزوح وبلدان اللجوء، فالآثار الاقتصادية لهذا الصراع وانهيار مستويات المداخيل أيضاً تمثل واحداً من أسباب انهيار الأسر وتخلي أربابها عن مسؤولياتهم أو عجزهم عن تحملها".

يعتبر أنّ من حق المرأة في حالات معينة أن تطلب أن تكون العصمة في يدها، خصوصاً في حالات هجرة بعض الأزواج وترك زوجاتهن معلقات بسورية أو حتى إذا تزوج الرجل من دون مبرر أو اتفاق مسبق مع زوجته. لكن - يستدرك قرنفل- من المهم أن يمارس هذا الحق برويّة ومن دون تعسف. وعن ذلك يعلق أنّ للعاملين الثقافي والمالي دوراً في مثل هذا القرار وممارسة المرأة هذا الحق، إذ إنّ عليها أن تأخذ في عين الاعتبار أنّ قرارها يحكم على أسرة بالتفكك وأولاد بالضياع ربما.

ويتابع أنّ ازدياد عدد حالات الطلاق ضمن الشريحة، التي تملك فيها المرأة العصمة، يعود في جزء منه إلى انتشار الزواج العرفي في كثير من المدن والبلدات السورية، إذ تشترط الزوجة خلال العقد العرفي - في الغالب - أن تكون العصمة في يدها.
المساهمون