"طلع الضو عالواوي"

19 مارس 2018
صباح الخير...(رسم: فؤاد هاشم)
+ الخط -
تقول القصة في كتاب القراءة إن الصباح الجديد يبدأ دائماً بصياح الديك. هكذا كنت أصحو في بيت جدتي في الضيعة حيث كانت تربي الدجاج، في غرفة صغيرة خلف منزلها، على طرف الحديقة الكبيرة. كانت تزرع في هذه الحديقة كافة أنواع الخضروات، التي تغنيها عن التسوق في الدكاكين، إلا في حالات نادرة.

وأتذكّر في ما أتذكّر، جدّتي تفتح باب ذلك القنّ ليخرج منه الديك أولاً، ثم تتبعه الدجاجات، ويبدأ بالصياح. كأنه يخبر المؤذّن بموعده، فتذهب جدتي بعد ذلك لواجب الصلاة، وتحضير ركوة القهوة العملاقة. كنا نستيقظ أفواجاً على صياحه، وفي بعض الأحيان نصحو على "حركشات" جدتي التي كانت تتقصّدها كي نساعدها بأمور حديقتها. لم يكن أكبرنا، نحن الأطفال، يتخطى الثالثة عشرة. وكانت هذه الطقوس، شبه يومية، في المواسم غير الماطرة.

لم يكن لهذا الديك أي فائدة، غير كونه منبّهاً لبزوغ الفجر، ومعاشراً للدجاجات. يتمختر رافعاً عرفه الأحمر عالياً، متكبراً عليهن. أما الدجاجات فينتجن البيض، وينشرن الحياة في حديقة جدتي الكبيرة. كنا نصحو إلى اللهو مباشرةً فننسى الأشياء التي تعلمناها في بيروت من غسيل الوجه والملابس المرتبة والكثير من الإتيكيت. في الضيعة فقط كنّا نصحو على سجيتنا.

في بيروت، الأمر مختلف، خصوصاً في أيام المدرسة. كان لدينا منبّهان. الأول أمي التي كانت لديها ثلاث مراحل للإيقاظ: المرحلة الأولى وهي غناء "طلع الضو عالواوي"، الأغنية الخاصة بالأطفال، من المطبخ خلال تحضيرها سندويشات المدرسة. المرحلة الثانية وهي سحب الأغطية مع الدفء المختبئ في داخلها. والمرحلة الثالثة، وهي الحاسمة، "النكوزة" واستمرار أمي في الغناء. لنبدأ من بعدها بتحضير أنفسنا مثل "الزومبي" في الأفلام الأميركية.

أما المنبّه الثاني، فكان صوت الأبواب الجرارة للمحلات والتي كان أغلبها يفتح بعد الفجر بقليل، من أفران ودكاكين وباعة الفول المدمّس. عندما ترفع تلك الأبواب تصدر صريراً حاداً يدخل من الأذن ليخرج من الأخرى. كانت عملية الاستيقاظ الشتوي في بيروت من أصعب الطقوس اليومية. أما اليوم فقد صارت المنبّهات الصباحية عبارة عن هواتف ذكية. نختار المواعيد المناسبة والنغمات التي تناسب مزاجنا.




مع رحيل جدتي اختفى الديك نهائياً وتغيرت ملامح الحديقة الكبيرة لتصير استراحة صيفية للعائلة مع خيمة ونافورة ماء. لكن غناء أمي و"نكوزاتها" ما زالا مستمرين كلما نمت في بيتها. أما صياح الديك على منبّه الهاتف فلم أحبّه يوماً لذلك استبدلته بأغنية "طلع الضو عالواوي".

صباح الخير.
المساهمون