"صولة الفساد" في العراق... هل تضرب دولة المالكي العميقة؟

23 نوفمبر 2017
المالكي يهيمن على مفاصل أساسية في الدولة (سيرغي فاديشيف/Getty)
+ الخط -
منذ انتهاء حقبة حكم رئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي رئيساً للوزراء في العراق لثماني سنوات (2006 ـ 2014)، وهو يواجه اتهامات بتأسيس "دولة عميقة" يشرف عليها أنصاره وقيادات حزبه، للتحكم بمؤسسات الدولة العراقية. ومع قرب موعد الانتخابات بدأت قيادات "الائتلاف" بالترويج علناً لفكرة "الدولة العميقة". وهو أمر قد يمثل تحدياً لحكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، بحسب مراقبين.

في هذا السياق، أكد برلماني عراقي بارز، وهو قيادي بالتحالف الحاكم في البلاد، لـ"العربي الجديد"، أن "خروج المالكي من السلطة عام 2014 لم يكن يعني أنه أصبح غير مؤثر، فقد تمكن خلال ثماني سنوات من حكمه من وضع قيادات حزبه على هرم الوزارات والسفارات والهيئات المستقلة". واستشهد على ذلك بطرد العبادي لعمال الخدمة من مكتب مجلس الوزراء، معتبراً أنهم "كانوا عبارة عن مراقبين لتحركات العبادي، ويوصلون كل شيء للمالكي ويسرّبون بعضاً من محاضر اجتماعات رسمية مع مسؤولين ووفود أجنبية وعربية له".

وأضاف أن "المالكي حجر عثرة أمام استقرار العراق أمنياً وسياسياً وحتى اجتماعياً، ومسألة تغلغله في مؤسسات الدولة عبر شخصيات هو من قام بتعيينها في هذه المناصب، تمثل تحدّياً كبيراً أمام العبادي. ويبلغ عددهم بالمئات، ويمسكون بمفاصل مهمة وحساسة بالحكومة". وحول أبرز مناطق نفوذ المالكي في المؤسسة العراقية الرسمية، قال المصدر إن "المالكي متهم بالسيطرة على السلطة القضائية العراقية، وأمانة مجلس الوزراء والبنك المركزي وهيئة الإعلام والاتصالات ووزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد والبصرة وبابل وكربلاء وديالى على وجه التحديد، فضلاً عن هيئة الحج والعمرة، وهيئة النزاهة، وديوان الوقف الشيعي، وديوان الوقف السني"، لافتاً إلى أن "العشرات من وكلاء الوزراء والمدراء العامين ما زالوا يأخذون أوامرهم من حزب المالكي".

وأضاف "كما يسيطر حزب المالكي على منصب محافظ بغداد والإدارات المحلية في أغلب المحافظات الجنوبية"، موضحاً أن "رئيس الوزراء السابق بدأ يستغلّ هذه المناصب من أجل الترويج لعودته إلى السلطة في ولاية ثالثة". وتوقع أن "يكون نفوذ المالكي بقرار إيراني، ليبقى العبادي في حالة قلق وعدم اطمئنان في حال قرر الانخراط بالمشروع الأميركي بشكل كامل".

وأوضح البرلماني أن "المالكي يسيطر على عشرات الآلاف من مقاتلي مليشيات الحشد الشعبي، الذين تحوّلوا إلى مؤسسة تابعة لمجلس الوزراء العراقي، بناء على قرار من البرلمان صدر العام الماضي". وتابع: "لا يختلف اثنان على أن جميع الفصائل المسلحة وقيادات المليشيات في العراق، مرتبطة بالمالكي، باستثناء مليشيا سرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر".

ورأى عضو "اتحاد القوى العراقية"، محمد عبدالله، أن "مفهوم الدولة العميقة الذي يتعامل به المالكي لا يليق بالدولة الديمقراطية"، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الديمقراطية تعني الانتقال السلمي للسلطة". وأضاف أن "المعطيات تشير إلى أن المالكي نقل السلطة فعلياً للعبادي عام 2014، لكن قيادات حزبه ما تزال متغلغلة في كثير من مفاصل الدولة العراقية. وهو أمر يبعث القلق ويشير إلى عدم الاستقرار السياسي". وتوقع أن "المواجهة الانتخابية ستكون محتدمة خلال المرحلة المقبلة بين العبادي الذي يقود دولة دستورية، والمالكي بدولته العميقة". ولفت عبدالله إلى أن "العبادي قد يفتح معركة جديدة ضد المالكي من خلال إعلان (صولة على الفساد) تطاول المالكي، وسيكون ذلك بدعم شعبي وديني واسع بالعراق".

بدوره، أكد عضو البرلمان العراقي عن "ائتلاف دولة القانون" عبد الهادي السعداوي، وجود "دولة عميقة بقيادة ائتلاف المالكي"، مضيفاً خلال مقابلة مع محطة فضائية عراقية، أنه "يقولون إن المالكي وائتلاف دولة القانون يقودون دولة عميقة، نتشرف بأن نكون الدولة العميقة لأن هناك محبة من الشارع العراقي لدولة القانون". وتابع "لدينا الفخر بأن نمثل الدولة العميقة في الدولة العراقية". ولفت إلى أن "أكثر من 80 في المائة من عناصر مليشيات الحشد الشعبي يؤيدون المالكي باعتباره شخصية قوية تنفع العراقيين". وأكد "وجود مخاوف إقليمية ومحلية من احتمال فوز المالكي في الانتخابات المقبلة"، مشيراً إلى أن "التيار الصدري يخشى المالكي بسبب معركة صولة الفرسان في محافظة البصرة (590 كيلومتراً جنوب بغداد) التي أدت إلى تفاقم الخلاف بين الجانبين". وأوضح السعداوي أن "المالكي ليس لديه وزراء في الحكومة الحالية التي يترأسها حيدر العبادي"، مضيفاً أن "وجود المالكي أمر واقع".



كما أكد عضو البرلمان العراقي عن "ائتلاف دولة القانون" علي المالكي، وهو أحد أقارب نوري المالكي، أن "قرارات الأخير لا تزال مؤثرة على العملية السياسية، كونه يتزعم أكبر كتلة سياسية في البرلمان وله قاعدة جماهيرية واسعة". ورداً على اتهام رئيس الوزراء السابق بقيادة الدولة العميقة، قال إن "المالكي يتزعم كتلة برلمانية تعادل ثلث مقاعد البرلمان، ما يجعل قراراته مؤثرة في العملية السياسية"، موضحاً أن "مليشيات الحشد الشعبي تأسست بدعوة من نوري المالكي". ولفت إلى أن "إيران قد تدعم بعض الجهات السياسية، لكن هذا الدعم يتوقف على قدرة الحزب على كسب أصوات المقترعين وتكوين قاعدة جماهيرية".

من جهته، علّق المحلل السياسي العراقي علي البدري، على دفاع نواب من "ائتلاف دولة القانون" عن الدولة العميقة للمالكي، بالقول "من فمك أدينك"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "المالكي الذي غادر السلطة منذ ثلاث سنوات ترك جيشاً من النواب والمسؤولين الموالين له".

وأشار إلى "وجود لوبي داخل البرلمان يتحكم به المالكي سبق أن تمكن تحت مسمى (جبهة الإصلاح) من استجواب وزراء بحكومة العبادي للإطاحة بهم، وأبرزهم وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، ووزير المالية السابق هوشيار زيباري"، لافتاً إلى "قيام عدد من القيادات الموالية للمالكي بإيهام الجماهير من خلال إعلان الانشقاق وتشكيل حزب منفصل". وتابع "في الحقيقة أن جميع هؤلاء ما زالوا مرتبطين بالمالكي، بدليل تحكمه بهم وبقراراتهم داخل البرلمان"، متوقعاً أن "تمثل الدولة العميقة للمالكي تحدياً صعباً للحكومة العراقية خلال المرحلة المقبلة".

إلا أن عضو البرلمان العراقي عبد العزيز الظالمي، أفاد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "المالكي اليوم أضعف والحديث عن دولته العميقة في العراق تراجع أخيراً". وأضاف أن "العبادي اليوم أكثر قوة والمالكي يسير نحو الاضمحلال وتطوقه اتهامات فساد كثيرة وتسببه بكوارث بالعراق، مثل داعش، وسقوط الموصل، ومجزرة سبايكر. وهناك مطالب شعبية بمحاكمته، لذا أعتقد أن دولة المالكي العميقة كانت فعلاً موجودة، أما اليوم فهي تتلاشى".