"إلى كل فلسطيني عض اليد التي ساعدته منذ حرب 1948، وساعد في تهريب الإخوان من السجون، وقتل جنودنا في رفح، وساهم في تخريب ونهب الاقتصاد المصري.. ارحل عنا، أنت غير مرغوب فيك والشعب كاره لكم.." هكذا كتب أحدهم على صفحته بـ(فيسبوك).
تغيرت نظرة المصريين تدريجياً تجاه القضية الفلسطينية، شعباً وحكومة ونخبة، ومع تزايد الفزاعات الإعلامية التي تبث سموم الكراهية في المصريين ضد كل ما هو فلسطيني، والتي أوصلت الإعلامي عمرو أديب أن يرسل رسالة تقدير وسلام لإسرائيل وقادتها على الهواء مباشرة، وفي إشارة منه إلى الفلسطينيين يقول "الناس دي حلال فيها القتل والإبادة وحلال فيهم ما يفعله الإسرائيليون".
فلسطين عدواً
وفي العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والتي راح ضحيتها أكثر من 2100 شهيد والكثير من الجرحى والمصابين، وبينما كان القصف لا يفرق بين طفل وعجوز أو امرأة، صرحت وزارة الخارجية المصرية من دون خجل، بأن الشعب الفلسطيني يدفع ثمن اعتداءات إسرائيلية ومغامرات داخلية من قبل "حماس" تحاك لخدمة أغراض داخلية، لا تصب في مصلحة المواطن الفلسطيني، كما منع النظام المصري العديد من القوافل الطبية الراغبة في التوجه إلى غزة لسد العجز الذي تواجهه مستشفياتها مع ارتفاع أعداد الجرحى والشهداء الذين تم حفظ بعض جثامينهم في ثلاجات الخضروات لحمايتهم من التعفن والتحلل، كان هذا رد الدولة المصرية في الوقت الذي تأججت فيه المواقف المنددة بالانتهاكات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني في أوروبا وأميركا اللاتينية.
ومنذ أيام قليلة، وخلال زيارته الرسمية لإيطاليا، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في تصريح لصحيفة إيطالية، أن مصر مستعدة لمد يد العون لضمان أمن إسرائيل، في حين لم يحرك ساكناً عندما طلبت فلسطين رسمياً من الأمم المتحدة الحماية الدولية لشعب وأرض فلسطين.
إعلام الكراهية
ترويج الإعلام للإشاعات والأكاذيب دون امتلاكه أي مستندات أو وثائق، إلى جانب تصريحات النخبة ووصفها لعمليات المقاومة التي تقوم بها "حماس" بـ"الأعمال الصبيانية"، حاد ببوصلة المصريين بعيداً عن القضية الفلسطينية، بعد أن كان دعمها معياراً أساسياً للحكم على وطنية أي مصري، كما أن الرفض الشعبي لجماعة الإخوان المسلمين قابله رفض لحليفهم الأيديولوجي في فلسطين، والمتمثل في حركة " حماس"، ويرجع الفضل لإعلام الانقلاب، الذي قاد مخططاً لشحن المصريين والتحريض على كراهية "حماس"، بتأكيده على دورها الفاعل في الكثير من العمليات الإرهابية في سيناء، بداية من مقتل 16 جندياً مصرياً في رمضان 2012، وانتهاء بمشاركة عناصرها المسلحة في اعتصام رابعة وتعكير الأمن المصري، حسبما أعلنت وادّعت أجهزة إعلام الانقلاب، وكذلك إلباسها تهمة اقتحام السجون المصرية إبان الثورة وإشاعة الفوضى في البلاد، والإشارة إلى عمليات اغتيال للثوار المصريين في التحرير قامت بها حركة "حماس"، كما تداول الإعلام معلومات عن دور "حماس" في تفاقم الوضع الأمني في سيناء وفقدان السيطرة عليه بسبب توسعها في إنشاء مزيد من الأنفاق غير المعلنة، ومطامعها في أرض الفيروز، وهو ما نفته "حماس" في بيان رسمي لها.
الأحلام تنتهي عند معبر رفح
هكذا تحولت فلسطين من قضية أمن قومي وحماية لأمن سيناء، إلى مبعث للقلق، وعامل أساسي في انتشار الإرهاب في المنطقة، ونتيجة حتمية لذلك، بارك السواد العام من الشعب المصري فكرة تهجير أهالي رفح، ولم ينظر أحدهم إلى التهجير باعتباره أكبر خذلان للقضية الفلسطينية، ونوعاً من تضييق الحصار على المقاومة الفلسطينية، عبر إقامة منطقة عازلة تمنع الحياة عنها من ناحية، ومن ناحية أخرى تنفيذاً لمخطط المشروع الأميركي الصهيوني بتفريغ سيناء وجعلها أرضاً بلا شعب بدلاً من تنميتها وبث الحياة فيها باعتبارها بوابة مصر الشرقية.
وبعد سقوط القضية الفلسطينية من حسابات المصريين إلى هذا الحد، لم يعد غريباً أن ينظم الطلاب العالقون في غزة والمتعطلة دراستهم وقفة عنوانها "في غزة.. كل الأحلام تنتهي عند معبر رفح"، بسبب الإغلاق المستمر للمعبر وتعطيل مصالح الطلاب العالقين أمامه، وكذلك المرضى ممن هم في أشد الحاجة للعلاج والدخول إلى مصر، ومدى تأثير إغلاق المعبر على شح الغذاء والدواء في قطاع غزة باعتبار مصر المعبر الوحيد لها.
أزمة مفتعلة
من المؤكد أن القضية الفلسطينية تأثرت كثيراً بعد ثورة يناير، وخصوصاً بعد السنة التي قضاها الإخوان في حكم مصر، إذ نجح خصومهم، أي خصوم جماعة الإخوان المسلمين، في ربط جل المشاكل التي واجهت مصر في تلك الفترة بعلاقة الإخوان بالمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وأوجد الإعلام لدى الجماهير كراهية غير مسبوقة للفلسطينيين، وأصبحت غزة عدواً لمصر أكثر من الصهيونيين.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الوضع غير المسبوق، جعل القضية الفلسطينية تخسر كثيراً، خصوصاً بعد أن استغل اللوبي الأميركي والصهيوني بعض رجال الأعمال ورجال الأمن ورجال الإعلام والسياسة، في صنع هذه القضية، حتى كادت مصر تكون على وشك حالة حرب مع قطاع غزة.
وفي ما يخص المعابر، فالعقل والمنطق يقولان إن الأنفاق وُجدت نتيجة إغلاق المعابر، ولو كانت المعابر تعمل بشكل دائم وسليم، لما اضطر الفلسطينيون لإنشاء الأنفاق، ولما تحولت الأنفاق إلى "بزنس" ضخم يستفيد منه أطراف من كلا الجانبين الفلسطيني والمصري من كبار رجال الأعمال، عزف المخلوع حسني مبارك عن إغلاق الأنفاق.
كما أن إغلاق المعابر والأنفاق معناه إعلان الحرب على الفلسطينيين، إضافة إلى كونه جريمة إنسانية، بل إبادة جماعية بطيئة لمليون ونصف المليون في قطاع غزة، ويساهم في زيادة الشح والتوتر والعداء بين الطرفين وخاصة مع منع دخول الطلبة والمرضى، وكل ذلك يصب في صالح الدولة الصهيونية.
وبسبب الهجمة الإعلامية الشرسة من إعلام الانقلاب، أصبح كل فلسطيني حمساوي إرهابياً، وتم التضييق على المؤسسات البحثية التي تعمل في شأن القضية الفلسطينية، والأغرب من ذلك، أن هناك بعض الشخصيات العامة أصبحت تتعامل مع فلسطين على أنها سبب كل الكوارث الداخلية في مصر.
*مصر