لم تكن السلطات الأمنية المصرية المسؤولة الوحيدة عن القتل والحرق خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس/آب 2013، بل استُخدم في التمهيد للقتل، سياسيون وإعلاميون ورجال دين، أفتوا بالقتل وحرّضوا عليه، فيما ساهم إعلاميون بتزييف حقائق القتل وكيل الاتهامات للمعتصمين.
في هذا السياق، وصف بعضهم اعتصام رابعة، بأنه "مستوطنة يجب إبادتها بالأسلحة الثقيلة"، ومنهم من قدّم اقتراحات باستخدام خطط عسكرية ودبابات ومدافع ثقيلة لفض اعتصام "النهضة" بوصفه "اعتصاماً في مكان غير مأهول بالسكان"، فضلاً عن تحويل ميدان رابعة إلى معتقل، بوصفه داخل حي سكني.
وفي تقارير متضاربة، لاختلاف درجات التوثيق والمصادر المعلوماتية، كشف موقع "ويكي ثورة" المستقل، أنه في "14 أغسطس قُتل 932 شخصاً جرى توثيق حالاتهم، وأن هناك 133 آخرين تم حصرهم بلا وثائق رسمية، إضافة إلى 29 قتيلاً مجهولي الهوية، وثمانين جثة مجهولة البيانات في مستشفيات وزارة الصحة، و81 حالة وفاة جرى الحديث عنها من دون توافر بيانات كافية عنها".
أما عدد القتلى من جانب الشرطة، فوصل إلى ثمانية من رجال الشرطة، بحسب تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، منظمة حكومية مصرية، وذلك في عام 2013، بينما أصدر المتحدث باسم وزارة الداخلية بياناً يوم الثلاثاء، قال فيه إنه "يوم 14 أغسطس سيمثل إحياءً لذكرى 114 من رجال الشرطة، الذين قتلوا خلال فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة".
وكان وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم، قد أكد في 14 أغسطس 2013، مقتل 18 ضابطاً، اثنان منهم برتبة لواء، في أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، بجانب لواءي شرطة وعقيد ونقيبين في أحداث اقتحام شرطة كرداسة بالجيزة.
اقــرأ أيضاً
وبالنسبة إلى الشخصيات المعنية مباشرة بالفضّ فهي الرئيس عبد الفتاح السيسي، بصفته وزيراً للدفاع، كما شارك وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم في غرفة عمليات فض اعتصامي رابعة والنهضة، وأعطى أوامره لقوات الشرطة بمشاركة قوات الجيش. ويُعدّ اللواء مدحت المنشاوي، مساعد وزير الداخلية لقطاع العمليات الخاصة، قائد عملية فض اعتصام رابعة العدوية. كما أن الرئيس المؤقت، عدلي منصور، وافق على خطة فض الاعتصام، وكذلك حازم الببلاوي، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الوزراء، الذي اعترف، وقت وقوع المجزرة، بأن مجلس الوزراء اتخذ بالإجماع قرار فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، بالتنسيق مع منصور، ومجلس الدفاع الوطني والقوات المسلحة. وذكر في حينه أن استخدام القوة في فض اعتصامي رابعة والنهضة كان ضرورياً، لوجود أناس مصممين على ترويع الشعب. فلا يوجد قرار من دون تكلفة". كذلك كان هناك دور للنائب العام السابق هشام بركات، الذي أصدر أمراً قضائياً بالموافقة على فض الاعتصام، كما رفض لاحقاً التحقيق مع أي من المشاركين في عملية الفض.
وعدا هؤلاء، كان قادة الشرطة، ومن أبرزهم مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزي أشرف عبد الله، ومساعد وزير الداخلية لخدمات الأمن العام أحمد حلمي، ورئيس جهاز الأمن الوطني خالد ثروت، ومدير أمن القاهرة أسامة الصغير، ومدير أمن الجيزة حسين القاضي.
وشارك عدد من قياديي الجيش بالعملية، وعلى رأسهم وزير الدفاع الحالي الفريق أول صدقي صبحي، ورئيس الأركان الحالي الفريق محمود حجازي، ومدير الاستخبارات العامة السابق محمد فريد التهامي، وقائد الحرس الجمهوري اللواء محمد زكي.
ووصف موسى يوم فض اعتصام رابعة العدوية بأنه "كان يوم نصر للمصريين"، وقال: "حررنا مصر من هؤلاء المجرمين، فما ذنب من أُحرقت سياراتهم أو هُجّروا من منازلهم لمدة شهر ونصف الشهر طوال فترة الاعتصام"؟ وأشاد موسى، في برنامجه "على مسؤوليتي" على قناة "صدى البلد" بتعامل قوات الشرطة والجيش مع المعتصمين في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، مدعياً أن عدد القتلى من المعتصمين كان قليلاً. كما شارك الإعلامي محمد الغيطي، عبر برنامجه بقناة "التحرير" الفضائية، في ترويج الشائعات على اعتصامي رابعة والنهضة، وابتكر قصصاً خيالية عن شيوع ما سماه بـ"جهاد النكاح" بين المعتصمين.
وكان للإعلامي يوسف الحسنيني دور كبير في التحريض على قتل المتظاهرين، وذلك من خلال برنامجه عبر قناة "أون تي في"، وظلّ يحرّض بشكل علني على تجاوز القانون وعلى "قتل الإخوان من دون محاكمة".
بدورها حرّضت مقدمة برنامج "هنا العاصمة" على قناة "سي بي سي"، لميس الحديدي، من خلال برنامجها وصفحتها الشخصية على فض اعتصام رابعة والنهضة بالقوة.
وكذلك حرّض مقدم برنامج "القاهرة اليوم" على قناة "اليوم" التابعة لشبكة "الأوربت"، الإعلامي عمرو أديب، الذي كان له دور كبير في الحشد ليوم "التفويض"، بدعوته المصريين من منابر مختلفة، إلى النزول للشارع يوم 26 يوليو/تموز 2013، لتفويض عبد الفتاح السيسي تجاوز سلطاته القانونية وللقيام بالتعامل مع معارضي الانقلاب السلميين على أنهم "إرهاب".
كما أعلن الإعلامي خيري رمضان، عبر برنامجه بقناة "سي بي سي"، دعمه ودعوته إلى مجازر فض الاعتصامات، وأعدّ حلقة خاصة وحواراً مطوّلاً مع وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، متيحاً له تبرير المجازر التي ارتكبتها قواته خلال فض اعتصامي رابعة والنهضة. واستضاف كذلك البابا تواضروس الثاني، فيما اعتبره كثيرون تجييشاً للحساسيات الدينية واستثارة أقباط مصر لدفعهم للصدام مع معارضي الانقلاب المحسوبين على الإسلاميين.
كما قام عدد من الدعاة بتحريض الجنود على قتل المعتصمين، مدعين أن قتلهم واجب ديني ووطني عليهم القيام به، ومن أبرز هؤلاء مفتي الجمهورية السابق، علي جمعة الذي وصف المعتصمين بالخوارج، قائلاً: "طوبى لمن قتلهم". وكرر جمعة دعوته لقتل المتظاهرين المعارضين للانقلاب العسكري، في لقاء تلفزيوني على قناة "سي بي سي".
كما أدى بعض السياسيين كالمعارض المصري عبد الحليم قنديل، دوراً في التحريض على القتل. وأكد الرئيس السابق لحزب التجمّع، عضو جبهة الإنقاذ، رفعت السعيد، أن "فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة جاء متأخراً جداً، لكنه أظهر أن قيادات الإخوان تضحي بالشباب المخدوع حتى لا تدخل في أي مواجهات مع قوات الأمن"، وفقاً لتصريحات له أدلى بها إلى صحيفة "المصريون" في أغسطس 2013.
بدوره، شدّد البرلماني السابق، الصحافي، مصطفى بكري، على أن "فضّ الاعتصام كشف لنا أننا أمام مؤامرة حقيقية أطرافها الإخوان وحلفاؤها، وهي محاولة لضرب سيادة الدولة وإشاعة الفوضى وإثارة الحرب الأهلية والطائفية داخل الوطن"، وفقاً لمداخلة له مع قناة "صدى البلد" في 14 أغسطس 2013 (يوم الفض).
حتى إن المرشح الرئاسي السابق، مؤسس التيار الشعبي، حمدين صباحي، أشار إلى أن "قرار فض اعتصام رابعة كان صحيحاً لأنه كان مطلباً شعبياً، لكن كل نقطة دم أُريقت أوجعتني كثيراً"، في تصريح لقناة "أون تي في" في برنامج "رئيس مصر" في مايو/أيار 2014.
كما كان لعضو جبهة الإنقاذ، رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور، عمرو موسى تصريح لافت، بقوله: "أتابع بقلق شديد تطورات فض اعتصام رابعة وأحداث العنف التي أعقبته، وأحزنني كثيراً ما رأيته من تحيز لعدد كبير من وسائل الإعلام الأجنبية في وصفها للأحداث، واتخاذها موقفاً ضد موقف الدولة المصرية في تطبيق القانون. ليس منوطاً لأحد أن يفرض على المصريين نظاماً رفضوه"، حسبما ذكر من بيان له نشر بصفحته الرسمية على موقع فيسبوك في 16 أغسطس 2013.
وكان للبرلماني السابق، المحلل السياسي، عمرو حمزاوي، تصريحاً محدداً بقوله: "كنت أعلم تماماً أن هذا الاعتصام به ما يهدد الأمن القومي للبلاد، إلا أنني لم أكن مع فضه بالقوة بسبب الدم. كان لا بد من استنفاد كل الوسائل السياسية ومصارحة الرأي العام بذلك بكل شفافية"، حسبما ذكر في مقابلة مع قناة النهار في 10 سبتمبر/أيلول 2013.