إنه هو.. "شارع شيكاغو" الذي كان اسمه مطلع الثمانينيات شارع "بور سعيد" في دمشق، وكان يضم النادي العربي، وذكرى أول مؤتمر سوري عام بتاريخ حزيران 1919 للاستقلال عن الدولة العثمانية، وإعلان المملكة العربية السورية.
مراجع عدة تؤكد أن هذا الشارع سمي في الستينيات والسبعينيات بـ"شارع شيكاغو"، بعدما كثرت الملاهي الليلية واختلف شكل الحياة في دمشق. لكنه اليوم تحوّل إلى شارع للمقاهي. هكذا، تأتي محاولة المخرج محمد عبد العزيز عبر "اختراع" قصة لمسلسل كان من المفترض أن يعرض في رمضان، لكنه تأخر بسبب وقف التصوير بعد اجتياح فيروس كورونا، ليُستكمل إنجازه لاحقا، ويعرض حاليا على محطة OSN.
أسئلة قصيرة تدور من المشهد الأول، على الرغم من التقنيات العالية التي استغلها المخرج محمد عبد العزيز، وأداء مجموعة من أبرز الوجوه السورية؛ دريد لحام، وعباس النوري، وأمل عرفة، ونادين خوري، وشكران مرتجى. كان واضحًا أن المخرج حاول التحايل على التاريخ في إشارات ظاهرة تداخلت في النص والحوار والمشاهد المستحدثة على أنها قديمة.
الحكاية باختصار قصة حب ميرامار ومراد، ميرامار فتاة ضريرة وابنة عائلة محافظة (سلاف فواخرجي)، تغرم بصحافي (مهيار خضّور) الذي يعمل في مجلة "المضحك المبكي". تُقتل ميرامار في ظروف غامضة، بعدما تعرفت صدفة إلى مراد الذي أطلق عليها اسمها الجديد، بدلا من "عفاف". وحاول في الحلقات السبع الأولى العبور إلى قلبها؛ هي التي تعاني من قسوة والدها وتشدده ومنعها من تحقيق طموحها بالغناء، لتستغل قصة الحب وتحاول مع عشيقها إبراز موهبتها في حانات وملاهي "شارع شيكاغو" نفسه.
يستقي المخرج محمد عبد العزيز صوراً من الأفلام المصرية، والحانات التي بنيت عليها أحداث وحواديت مجموعة من الأفلام فترة الستينيات والسبيعينات من القرن الماضي، يصل بعضها إلى درجة الملل خلال الأسبوع الأول من العرض، ويأتي توظيف عبد العزيز لهذه القصص والسرديات مفتقداً لعنصر الدقة، بين جريمة حصلت في الستينيات وبين التاريخ الحقيقي لأحداث القصة (2009).
يظهر دور الفنان دريد لحام القصير جداً، في الحلقة الأولى، ليرسم علامات استفهام حول المغزى الذي حمل لحام على الموافقة على المشاركة في العمل، بعيداً عن المسلمات المفترض أن يأخذ بها ممثل بحجم لحام، جاء كضيف شرف في شخصية باهتة لم ينقذها الموقف، واعترافه بأنه هو من قتل ميرامار قبل ثلاثين عاماً، مطالبًا بإعادة فتح التحقيق لهذه الجريمة التي ارتكبها.
لحام يُقتل في آخر الحلقة الأولى، وتبدأ قصص التشويق من المباحث الجنائية بالعودة إلى فترة حياة ميرامار وأصدقائها. المحقق (وائل رمضان) يبحث عن ميرامار وعائلتها بدءاً من شقيقها (جوان خضر) المتوفى، مدير المكتب الثاني، تلك الفترة، وشقيقتها (نادين خوري) التي تظهر في إطار يلمح إلى أن شقيقتها لا تزال على قيد الحياة، كنوع آخر من التشويق الضعيف هذه المرة للإبقاء على أجواء الانتظار لدى المشاهد. ثمة أخطاء تاريخية واضحة في العمل، إضافة إلى تسلسل الأحداث، وتباين آخر في أن الممثلة أنطوانيت نجيب هي والدة مهيار خضور (مراد) في الستينيات، وهذا ما لم يعره المخرج اهتماماً لفرق السن بين الممثلة التي دخلت التسعين وبين ممثل لا يزال في الثلاثينيات، إلى مجموع السرد التاريخي المتضارب.
ومن هذه الأخطاء أن جهاز التلفزيون ظهر في سورية في تموز/يوليو 1960، في حين أن المسلسل أظهر الجهاز الذي يوجد بأعداد محدودة تلك الفترة، وخضع لضريبة لمن يريد اقتناءه، كما يظهر في الحلقة الأولى في منزل مراد بينما التلفاز ينقل خطابا للرئيس الراحل جمال عبد الناصرعام 1959.