"ست الحبايب" فايزة أحمد..الرحلة من صيدا إلى القاهرة

08 سبتمبر 2014
فايزة احمد مع ابن شقيقها عدنان الرواس (العربي الجديد)
+ الخط -
فايزة أحمد الروّاس، المطربة الكبيرة، التي أثرت عالم الغناء العربي بصوتها الرائع، عُرفت باسم فايزة أحمد. ولدت في حارة الجامع العمري الكبير في صيدا القديمة، لعائلة من الطبقة الوسطى، حيث كانت عائلة الروّاس من ضمن العائلات، التي تقطن في صيدا القديمة آنذاك.

"العربي الجديد" حاور عدنان الرواس، ابن شقيق الفنانة الراحلة، الذي تحدث عن عمّته بإسهاب، بنبرة يملؤها الحنين إلى أيام قضاها مع عمته في مصر خلال زياراته لها، أو حين كانت تأتي إلى لبنان لزيارة عائلتها في صيدا. 

يقول عدنان إن عمّته "ولدت في مدينة صيدا عام 1934، وتحمل إخراج قيد من محلة مار نقولا"، أي ليست، كما ادعى البعض، فنانة سورية. قضت طفولتها في حارة الجامع في ساحة باب المسجد العمري، حتى بلوغها الثالثة عشرة من العمر، أما والدها أحمد الرواس فكان يعمل في حمّام في صيدا القديمة.

وعن طفولتها يقول عدنان: "كانت طفولة عادية مثل أية طفولة أخرى، على الرغم من أنها افتقدت وجود أب يحيطها بالحماية والحنان، ولكن والدتها كانت لها أماً وأباً في الوقت نفسه"، ويضيف، "أذكر أن جدّتي - والدة فايزة - كانت شديدة وقوية أمام المصاعب، كما كانت عمتي فايزة..".

أمّا عن علاقة جدّته بالغناء والموسيقى، فيقول: "كانت جدّتي، أمّ فايزة، تعزف على العود وكانت تعزف لفايزة وتغني. انتشرت في صيدا في ذلك الوقت الحمامات النسائية والرجالية، وكان جدّاي يملكان حمام (السبع بنيات). حين اجتماع النساء، كانت جدتي تعزف على العود وعمّتي تغني، يعني أم فايزة هي أول من اكتشف موهبتها، وكانت في ذلك الوقت لم تبلغ بعد سن العاشرة، كما كان أوّلَ مَنْ علمها العزف على العود موسيقيٌّ من آل زنتوت".

ويضيف موضحاً: "لقد عاصرتُ عمتي فترة طويلة في أيام الشباب، وتوطدتْ علاقتي بها خلال زياراتي المتكررة لها إلى مصر، لمدة عشرين عاماً تقريباً، وكانت آنذاك متزوجة من الملحن محمد سلطان، الرجل المحترم والذي أكنّ له التقدير، وهو الرجل الوحيد الذي أحبته فايزة وأحبها وعاشا معاً فترة طويلة قاربت السبعة عشر عاماً، ولكن في فترة ما حصل خلاف، وكان سبب الخلاف بحسب ما حدّثني ابنهما، حكايات الغيرة والنكايات".

الوسط الفني
أمّا عن عملها في الوسط الفني، وعن المغرضين الذين كانوا على الدوام يعملون على محاربتها، فقال: "لقد كان عبد الحليم حافظ أول من حاربها، ثم وردة الجزائرية". في إحدى الحفلات، التي كان يقيمها الملك الحسن الثاني في المغرب في عيد توليه العرش، ويدعو الكثيرين من الفنانين إلى إحيائها، طالب عبد الحليم استثناء فايزة من الحفلة.


وفي حفلة مشتركة في القاهرة قُطع عنها التيار الكهربائي، لكنها رغم ذلك استمرت في الغناء، وكان صوتها القوي يعلو في الصالة، ويصدح بالغناء، وبقيت فترة طويلة لا تغني في حفلة فيها عبد الحليم، وهو أيضاً كان يرفض أية حفلة فيها فايزة أحمد. تحلّت فايزة بطيبة غير عادية، وعلى الرغم من معرفتها بغيرة وردة منها، إلا أنها في إحدى المرات التقتها في الشيراتون، في حفل رأس السنة، الذي كان يضم فنانين كثراً من لبنان ومصر، وجلست معها إلى طاولة واحدة. في اليوم التالي، أصرت فايزة على تكريم وردة، ودعتها إلى حفلة لمناسبة عيد ميلادها في أول السنة الجديدة. 

لكن في مقابل هذه المحاربة، وجدت التكريم ونالت المكانة المرموقة، "فحين كنت أخرج معها، كنت أجد كبار الشخصيات تكنّ لها الاحترام والتقدير، كما كرّمها الرئيس المصري، السادات، وكانت ابنته جارتها وصديقتها في البناية. ورغم ذلك بقيت إنسانة بسيطة وطبيعية". 

كما أن المطربة الراحلة تميزت بخفة الروح وطرافة الكلام، "إن أجمل شيء فيها طرافتها، فكانت لديها القدرة على تقليد الفنانين والمطربين بشكل كوميدي ساخر، وببراعة تامة". حين لا تجد من تقلده، تقلّد نفسها، وهي صاحبة نكتة بامتياز، سريعة البديهة ومن لا يعرفها يجهلها، كما كانت تحب عمل الخير، وكانت تبذل في سبيل الخير، ولم تكن بخيلة، إلا أنها كانت تفكر دائماً في المستقبل وتؤمن بشعار "خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود"، وبالفعل استطاعت أن تؤمن مصاريف مرضها وسفرها، ولديها أملاك، لكن أجمل ما فيها أنها حين تعود إلى البيت، وأكون موجوداً، تتحدث معي باللهجة الصيداوية البحتة، وكأنها لم تعش في مصر كل تلك الفترة، وكانت رحمها الله ستّ بيت عادية، وتحب الطبخ جداً، وتهتم بأولادها وبتزيين البيت".

أما عن لبنان، بلدها، ومسقط رأسها، أهلها وأقربائها، كل ذلك لبنان بالنسبة إليها، هو الحنين الدائم، ففايزة كانت تتحدث عن ذكرياتها أيام الطفولة دائماً، إلا أن زياراتها كانت سرية، لأن الشهرة عكرت عليها لحظات الراحة من عناء العمل وملاحقة الصحافة، لذلك كانت تأتي بسرية أحياناً إلى لبنان، تتفقد اخوتها خصوصاً أختها نظمية، لكن الصحافة كانت غالباً تعرف بوجودها، فينهال عليها الصحافيون والمنتجون والمصورون وغيرهم.

وعن مرضها، يقول عدنان الرواس: "حين أحست بالمرض قالت لوالدتي، إنها تحس بشيء في صدرها، فحثتها والدتي على إجراء فحص عند الطبيب، لكنها كانت تخاف، وحتى آخر لحظة قبل وفاتها، لم تكن تؤمن بأنها ستموت. كانت تجلس على البحر، تغطي جسدها بالرمل الساخن، وتعرض جسدها للشمس لعل الأشعة تشفي مرض الروماتيزم الذي اعتقدته لديها، وعندما كانت تسمع بأحد مريض بالسرطان، الذي توفيت به فيما بعد، كانت تقفز فزعة وتقول، مع إشارة بيدها: "يالطيف. كشّ برّة وبعيد، ما حدا يجيب سيرة".

توفيت فايزة أحمد في شهر سبتمبر/أيلول 1983، بعد أن طلبت من زوجها السابق، محمد سلطان، الحضور من فرنسا كي يكون إلى جانبها. 

المساهمون