"ستاتيكو سوتشي"... إدارة الاختلاف

16 مايو 2015

كيري ولافروف بعد محادثاتهما في سوتشي (12 مايو/2015/Getty)

+ الخط -
لم يحدث في منتجع سوتشي الروسي أكثر مما هو متوقع. اللقاء "الرائع" بين وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، تُوّج بتفاهم برعاية "قيصرية" للرئيس فلاديمير بوتين. الأمر طبيعي بين روسيا والولايات المتحدة أن يصلا إلى "خاتمة" كالتي وصلا إليها. يتصادمان. يصرخان. يحتدّان. يتنافسان في مختلف بقاع الأرض، ثم يعودان إلى طاولة حوار، يُراد منها رسم خريطة تعاطٍ جديدة، بناءً على المرحلة التي خاضا فيها صراعهما. ليس بوارد البلدان الخروج عن السياسة عينها التي حكمت علاقة الاتحاد السوفييتي، سَلَف روسيا، مع الولايات المتحدة، إبّان الحرب الباردة. هكذا يريد بوتين أساساً: العلاقة النديّة، وإن شابتها "بعض العقوبات" التي تتيح للغرب، وعلى رأسه الأميركي، إظهار "تفوّقه" على بلاد الشرق الباردة. 
اتفقت واشنطن وموسكو على "إدارة اختلافهما"، في منحى يشي باستمرارية الأمور على ما هي عليه، على رقعة تنبسط من الشرق الأوكراني إلى الشرق الأوسط.
في أوكرانيا، النقطة الجغرافية الأقرب لروسيا، تبدو حرب دونباس (إقليمي لوغانسك ودونيتسك) مرشحة للتطوّر مع بدء موسم الصيف، في ظلّ حصول الانفصاليين على أسلحة جديدة ونوعية من جهة، وبدء التدريب الدولي لوحدات من الجيش الأوكراني التابع لحكومة كييف، من جهة أخرى. ما يشرّع الباب أمام احتمال تحوّل ميناء مارويوبول على بحر آزوف، محطة متقدمة وأساسية في النزاع، الذي سقط فيه أكثر من ستة آلاف شخص، منذ فبراير/شباط 2014، لوصل الشرق بشبه جزيرة القرم، مع العلم أن الأوروبيين، المشغولين بمسألة الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط، لن يكون في وسعهم المشاركة في أي قرار متعلق بأوكرانيا، ناجم عن اتفاق أميركي ـ روسي، بل سيكون وضعهم أقرب إلى كونهم "منفّذي القرارات".
أما سورية التي اتخذت معاركها الميدانية تحوّلاً مهماً في الشمال، فتبدو على مشارف محطات يُمكن وصفها بـ"الحاسمة"، تحديداً في مدينة حلب، بعد إدلب وجسر الشغور وسهل الغاب. ومن شأن إعادة تفعيل "جنيف 1" تأجيل الحلّ النهائي في سورية، حتى إشعار آخر، وبدء تدريب مسلّحي المعارضة السورية. ويأتي هذا، في وقتٍ بات فيه العنصر التركي أكثر انغماساً في الوضع السوري، مع زيارة رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، إلى ضريح سليمان شاه التركي، داخل الأراضي السورية، الأحد الماضي، على أن الأتراك عموماً ينتظرون الانتهاء من انتخاباتهم العامة المقررة في 7 يونيو/حزيران، وما يليها من تعديلات حكومية ودستورية، قبل الإقدام على خطوة أخرى.
في اليمن، لم "يشغل" الروس والأميركيون بالهم كثيراً بالبلد المُطلّ على مضيق باب المندب، تاركين المسألة في عهدة "الحلفاء"، على أن يستمرّوا في إبراز دعمهم "من بعيد"، وربما في انتظار نتائج مؤتمر الحوار اليمني الذي يعقد غداً الأحد في الرياض.
ووسط عودة الحرارة إلى العلاقة الأميركية ـ الروسية، يظهر الأوروبيون اهتماماً بملفات أخرى، قد تكون أقرب إلى دواخلهم، كموضوع الهجرة، وصعود اليمين في بلدان عدة، ولا يتصرّفون كتلة واحدة، في غياب راعٍ إقليمي قادر على جمعهم. بريطانيا مثلاً، مشغولة بالعهد الحكومي الجديد لديفيد كاميرون، ومنشغلة في موضوع الانفصال عن أوروبا من عدمه، ومنح عدّة "حكم ذاتي مثاليّ" لاسكتلندا، كي لا تنفصل عنها، بالإضافة إلى إرسال طائراتهم لملاحقة قاذفات روسية، اقتربت من مجالهم الجويّ، ليل الخميس ـ الجمعة.
ألمانيا، القادرة على أداء دور الزعامة الأوروبية، تعمل على تأمين وجودها الاقتصادي، سواء من خلال متابعة ملف الديون اليونانية مع حكومة سيريزا، أو في القدرة على ممارسة الليونة مع روسيا، لأسباب اقتصادية. أما فرنسا فترك رئيسها، فرانسوا هولاند، كل شيء خلفه، ليتفرّغ إلى زيارة أميركا الوسطى، في مؤشر على "هروبٍ" غير مبرر من الخسائر المتراكمة. لم يخرج الأميركيون والروس عن تقاليدهم، مهما اعتقدنا العكس.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".