حَسمَ محمد شلدان (29 عاماً) قراره بالزواج، وهو الذي يعمل نادلاً في أحد المطاعم، بعدعدم حصوله على وظيفة تتلاءم واختصاصه الجامعي. لكنه كان محرجاً إلى درجة كبيرة، وخصوصاً أنه لم يدخر أكثر من 500 دولار. فلم يكن أمامه إلا "الزواج بالتقسيط".
هكذا وجد الغزيّون حلاً لمشكلة الزواج في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية في القطاع المحاصر للعام الثامن على التوالي. يُقسّط الرجل مهر عروسه، إضافة إلى تكاليف الزواج.
ليس مهراً فحسب
كان محمد محظوظاً، بعدما وافقت خطيبته على تقسيط المهر. اتفقت العائلتان على دفع جزء من المهر عند عقد القران، على أن يُقسّط المبلغ المتبقي إلى حين حفل الزفاف. لكن الزواج "ليس مهراً فحسب"، يقول محمد، الذي توجه إلى إحدى جمعيات تيسير الزواج التي لاقت انتشاراً واسعاً خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة في القطاع.والتي استطاع من خلالها، شراء بعض مستلزمات الزواج.
ويرى محمد أن "الزواج بالتقسيط" اتفاق غير معلن بين أهل الخطيبين، تختلف آليته حسب الوضع المادي للعريس؛ فهناك من يستطيع دفع المهر، وتقف تكاليف الزفاف عقبة أمامه، وهناك من لا يملك شيئاً على الإطلاق. ويضيف أن "المشكلة الأساسية تتمثل في قلة فرص العمل".
تَعهُّد
اختار رامز (28 عاماً) أيضاً الزواج بالتقسيط، وخصوصاً أن كلفة الزواج تصل إلى 10 آلاف دولار، بين توفير مسكن ملائم وأثاث للبيت، إضافة إلى تأمين صالة أفراح وفستان زفاف وغيرها. ويلفت إلى أن "غالبية العائلات في غزة لم تعد تعترض على فكرة التقسيط، إذ يشهد القطاع ارتفاعاً جنونياً في الأسعار بسبب الإغلاق والحصار".
لجأ رامز إلى الاقتراض من أقاربه وأصدقائه، وقد استغنى عن الكثير من طقوس الأفراح الغزية، حتى أنه أرجأ شراء الذهب للعروس. وتعهد لخطيبته من خلال التوقيع على ورقة بتأمين حقوقها. يقول: "لم أتردد في ذلك، فالحياة السعيدة تعتمد على الوضوح منذ البداية".
عقد جديد
بعدما دقت مؤسسات المجتمع المدني في قطاع غزة ناقوس الخطر، لافتة إلى ارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات لعزوف الشباب عن الزواج بسبب التكاليف المرتفعة، باتت الكثير من الأسر ترحب بالزواج وفق نظام التقسيط. هكذا فعلت عائلة أبو أحمد، التي زوجت اثنتين من بناتها "بالتقسيط"، تقديراً منها للأوضاع الصعبة التي يعاني منها الشباب، مع إلزام العريس بالتوقيع على تعهد يضمن للعروس حقوقها.
وفي السياق، بدأت المحاكم الشرعية في غزة بتسهيل إتمام إجراءات "الزواج بالتقسيط"، وقد صممت نموذجاً لسندات دين مُنظّم يرفق بعقد الزواج، وهو عبارة عن ورقة تكون ملزمة للعريس بدفع المهر المعجل إلى العروس بالتقسيط. إجراءٌ دفع أم النور إلى تشجيع ولديها بسام 26عاماً ومحمد 24 عاماً على الزواج، والاستفادة من التسهيلات. وتقول: "قبل ذلك كان الأمر مستحيلاً. لم نكن نملك إلا 3500 دولار، وهو مبلغ لا يكفي لدفع المهر وتوفير مستلزمات العرس لأحدهما، فما بالك بالأخر".
من جهة أخرى، يرى مسؤول الحملة الشعبية لتيسير الزواج صقر الغول أن "القليل من الشباب في غزة قادرون على تحمّل تكاليف الزواج الباهظة، وهو ما دفع إلى إنشاء جمعيات ومؤسسات لمساعدة الشباب". ويوضح أن "هذه الجمعيات توفر على الشباب معاناة الاقتراض من الآخرين، ومشقة تنسيق العرس"، مؤكداً أن "معظم الشباب الآن يتزوجون من خلال هذه الجمعيات".