نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية يوم 4 إبريل/نيسان الجاري تحقيقاً مطولاً عن التقدم الملحوظ في تعليم الفتيات تحت عنوان "في السودان المجتمعات تثمن أخيرا تعليم الفتيات"، بقلم يسرا البجير من محافظة كسالا السودانية.
"بلد النبي حماد" تركت المدرسة وهي في سن التاسعة بعد حادث تعرضت له في المنزل. "كنت في منزلنا في فترة نقاهة بعد مرضي ولم يكن لدي أي فكرة متي سوف أعود للمدرسة إلا أني بدأت أسمع من الفتيات حولي كم أصبحت مدرستي جميلة وقررت وقتها أن أعود لأنهي العام الدراسي" تقول بلد.
كانت المدرسة قد حصلت على دعم مالي من هيئة اليونسيف للقيام بعدد من الإصلاحات مما حفز المجلس المحلي والأسر وإدارة المدرسة على القيام بحملة لجمع المزيد من الأموال للقيام بإصلاح شامل وترميم وتوسيع مدرسة أم غورا للفتيات في محافظة عطبرة الشمالية وتم بالفعل جمع ما يقرب من 23000 دولار أميركي. عدد الفتيات الملتحقات بالمدرسة حاليا يقرب من 650.
"عندي ما يقرب من 101 فتاة مسجلة للعام الدراسي القادم ولكن المشكلة أننا لا نستطيع استيعاب أكثر من 50" هذا ما صرحت به إيمان حسن مديرة المدرسة.
السودان هي ثامن أسوأ دولة في الشرق الأوسط من ناحية تعداد تسرب الطلبة من النظام التعليمي، فالإحصاءات تشير إلى 3 ملايين طفل ما بين سن الخامسة إلى الثالثة عشرة خارج إطار التعليم النظامي. أكثر من نصف هذا العدد يعيشون في المناطق الزراعية حيث تصل نسبة الأمية بين النساء إلى 39% ونسبة من ينهين المرحلة الابتدائية 26% فقط لا غير بحسب إحصاءات اليونسيف.
تقاليد ضد التعليم
تلعب التقاليد دوراً كبيرا، حيث الأفكار المترسخة حول دور الفتاة المنحصر في الأعمال المنزلية وتشجيع الزواج المبكر، وهي الأفكار والمعتقدات التي كانت تدفع الأهل لمنع الفتيات من إنهاء تعليمهن بعد البلوغ.
إلا أن الأعمال التي قامت بها العديد من المنظمات والجمعيات الأهلية بالإضافة إلى الإدارات والهيئات الحكومية ساهمت في تحريك هذه الأفكار والمعتقدات وساهمت في زيادة نسب الملتحقات في المدارس السودانية وكثير منهن رجعن للصفوف المدرسية مرة أخرى.
"تركت المدرسة لأنها كانت بعيدة عن البيت ولم تكن مدرسة جميلة. لم يكن لدينا مراحيض أو حتى حوائط نرسم عليها. ولكن الفتيات عدن يوماً لزيارتي وأخبرنني عن التغيرات التي حدثت، وقررت أن أعود للمدرسة، أنا أحببتها وعدد كبير من الفتيات عدن للمقاعد الدراسية مرة أخرى" كانت كلمات انشراح من الصف الثالث الابتدائي من مدرسة "فدياب للفتيات".
الأهالي يبنون المدارس
أما في قرية "أبو جرعة" شرق محافظة غضاريف فقام "طه التوم" بالتبرع بمساحة كبيرة من أراضيه لبناء عدد أربعة صفوف مدرسية، بعدما رأى التغيير الذي أحدثه مجرد بناء صف واحد للأطفال البدو والذي قامت به منظمة اليونسيف مع منظمة خيرية من دبي.
القرية بالكامل تجمعت وشحذت الهمم لتغيير الأوضاع، فقد تجمعوا سكنياً بجوار المدرسة وحولوا اسمها من مدرسة أبو جرعا إلى "أم القرى"، وسرعان ما انتقلت أربع قبائل للعيش بجوار المدرسة آملين أن يلتحق أبناؤهم بالصفوف الدراسية.
"أنا أريد أن تدرس ابنتي في صف منفصل وغير مختلط ولكن بالرغم من هذا أنا أحس بضرورة أن أرسل البنات للمدرسة، فإذا كنت جاداً في رغبتي أن تتعلم بناتي علي أن أغض الطرف وأتحمل" يقول أحمد محمد إبراهيم أب لثلاث فتيات كلهن الآن في المدرسة.
نسب الالتحاق المدرسي زادت للضعف. فمن 41 طالبا في العام الماضي تحوي المدرسة الآن 107 التحقوا مع بداية العام الدراسي الأخير.
مثل أم القرى"نهر عطبرة"، هي تمثل أحد المجتمعات المحافظة في شرق السودان والتي شهدت تغيرات جذرية في الفترة الماضية حيث بدأ الأهالي في التخلي عن الكثير عن معتقداتهم الخاصة بتعليم البنات وأصبحوا أكثر إلحاحاً واقتناعاً بضرورة التعليم الأساسي بل والتعليم العالي أيضاً.
الأم مدرسة
"المرأة هي عماد الأسرة. والأمهات المتعلمات منهن في مجتمعاتنا ينجبن أطفالاً ويقمن بالتربية بحيث يكون النتاج مختلفاً عن ذلك الذي نراه من الأم غير المتعلمة، وذلك بغض النظر أكان الأبناء من الذكور أم من الإناث" يقول أحمد يوسف مديرة الإدارة التعليمية لمنظمة نهر عطبرة: "عندما يعود الأبناء للبيت من المدرسة يجدون في البيت معلما (الأم) يقوم بالتدريس فالتربية والتعليم يستمران في البيت بعد ساعات المدرسة".
يقول أحمد عبدو أحد القائمين على الشأن التعليم في اليونيسف شرق السودان: "في منطقة هاميش غارب (محافظة كسالا) لم يكن هناك أي تعليم للفتيات من أي شكل، "ولكن بعد حملة الالتحاق المدرسي القومية التي تمت بدعم من اليونسيف في العام الماضي، بدأت الهيئات المحلية في التوجه لنا، ولأول مرة في التاريخ تطلب منا أن نساهم معهم في فتح مدارس للفتيات".
في حوش غارب، "شمال الدلتا ومناطق ريفية أخرى من محافظة كسالا، تنتشر الآن مدارس الفتيات وهي أمور كانت غير مسموع عنها في الماضي القريب". كما يقول مجذوب أبو موسى وزير التعليم لمحافظة كسالا "في منطقة دبل عويط وتهجار، هناك فتيات يقمن بالالتحاق بالاختبارات التي تؤهلهن للمرحلة الثانوية وهي أمور لم تحدث من قبل".
-----------------------
* ترجمة من صحيفة الغارديان البريطانية منشور بتاريخ 4 إبريل 2016.