"داليدا" لآزيولوس: "تبكي وحيدة وتبقى عيوننا جافّة"

17 فبراير 2017
من "داليدا" لليزا آزيولوس (فيسبوك)
+ الخط -
لم يُرْضِ الفيلم الروائي الطويل "داليدا" الذي أنجزته الفرنسية المغربية الأصل، ليزا آزيولوس، (باريس- 1965)، الصحافة الفنية والنقد السينمائيّ في فرنسا. فعشية بدء عروضه التجارية، في صالات فرنسية عديدة، في 11 يناير/ كانون الثاني 2017، بدا كأنّ هناك إجماعاً شبه كامل على توجيه نقد سلبي للسيرة السينمائية للمغنّية التي فرضت نفسها في المشهد الغنائي الأوروبي والدولي، بين منتصف خمسينيات القرن الـ 20 وليلة انتحارها، في 2- 3 مايو/ أيار عام 1987، بعد أقلّ من 4 أشهر بقليل على بلوغها الـ 54 عاماً؛ علماً أن 538 ألفاً و452 بطاقة دخول بيعت في الأسبوعين الأولين، مقابل 15 مليون يورو كميزانية إنتاجية.

والفيلم، الذي يُعرَض حالياً في صالاتٍ بلجيكية وسويسرية فرنكوفونية ولبنانية، بالإضافة إلى الفرنسية، يميل كثيراً إلى التوثيق التلفزيوني، بدلاً من أن يُركِّز اهتمامه البصري والجمالي والدرامي والفني والإنساني على كيفية تحويل المآسي الجمّة التي عاشتها إيولاندا كريستينا جيغليوتي، المعروفة باسم داليدا، إلى صُوَر سينمائية تخرج من رتابة سرد كلاسيكي تلقيني تأريخي مُسطَّح، كي تكون صُوَراً فنية تمتلك حيوية إبداعية في مقاربة الاختلاط العميق بين حياتها الدرامية وأغانيها التي تعكس، غالبيتها الساحقة، محطّاتٍ وحالاتٍ وانفعالاتٍ ومآسي وقسوة من سيرتها اليومية.



وهذه المآسي مترافقةٌ وإياها منذ ولادتها في 17 يناير/ كانون الثاني 1933، في القاهرة، لعائلةٍ إيطاليةٍ تُهاجر إلى أرض الفراعنة منذ أعوام عديدة، علماً أن والدَها عازفُ كمان، يُدرِّس تقنيات العزف للراغبين، ويُرافق ابنته منذ ولادتها على الآلة الأحبّ إليه، خصوصاً عند اكتشافه وزوجته أن ابنتهما المولودة حديثاً تُعاني ألماً في عينيها، يستدعي وضع حاجب للنور عليهما. والتوثيق التلفزيوني الذي يحمل عنوان "داليدا"، ويوصف بأنه فيلمٌ سينمائيّ، يبقى مجرَّد تحقيق تسجيلي، يحتاج، كي يُصبح صنيعاً سينمائياً حقيقياً، إلى مخيّلة جمالية تجعل الوقائع سرداً إبداعياً، لسيرة مليئة بالخضّات والمشاغل والانكسارات والخيبات، وهذه كلها لم تعثر على صُوَرها السينمائية في الفيلم، الذي "يعجز عن تجاوز الوقائع لاختراق الأسطورة"، كما جاء في الصحيفة اليومية "لو فيغارو". وهذا ما أكّده مقالٌ منشورٌ في المجلة الأسبوعية "إكسبرس"، بقوله إن "الفيلم يبقى على سطح الحالات والشخصيات".

الصحيفة اليومية "ليبراسيون" ذكرت أن آزيولوس "تتبنّى الأعراف كلّها للشكل والسرد، الأكثر ابتذالاً في النوع" (الخاص بالسِيَر الحياتية السينمائية)، معتبرةً أن المخرجة اكتفت بسرد أحداث حياة بطلة فيلمها، بأسلوب "الحيوية الخلاّقة" المعتَمدة في "الصناعة التلفزيونية" لسِيَر شخصيات عامة. بينما ذهبت الصحيفة اليومية "لو موند" إلى وصف الفيلم بكونه "شريط كليب سلساً وناعماً"، وبأنه قدَّم "صورةً" عن داليدا، تتمثّل بـ "صورة امرأة منقادة لأحاسيسها، وفريسة لأوهام وفانتازمات وحكايات خرافية، ورهينةَ مصير صعب".

غير أن أقسى نعتٍ موجِّه إلى "داليدا" ومخرجته ليزا آزيولوس، يكمن في جملة منشورة في الصحيفة اليومية "لو فيغارو"، تقول إن داليدا، في الفيلم، "تبكي وحيدة، بينما تبقى عيوننا جافّة". وهذا، إذْ يختزل النواة الجوهرية للعمل، يكشف حجم التسطيح المتنوّع الأنماط والمستويات، الذي صُنع الفيلم به، كأن تظهر الشخصيات "كاريكاتورية"، أو مفرَّغة من كل إمكانية ممكنة للتعبير الذاتيّ الداخليّ عن انفعالٍ أو حالة أو رغبة أو قول أو بوح، وكأن يتبيَّن النصّ الأصليّ على أنه مجرّد تقريرٍ مكتوبٍ بتسرّع، أو، على عكس ذلك، مكتوب بدقّة من يرغب في إظهار شكلٍ محدّد فقط عن إنسانة تمتلك تناقضاتٍ جمّة في شؤون حياتها الخاصّة والعامة، على حدّ سواء. بقي الفيلم باهتاً على المستوى السينمائي، ولم يستطع النفاذ إلى قلوب المشاهدين.



المساهمون