13 نوفمبر 2024
"داعش" يدق أبواب المغرب العربي
يجب ألّا يعتبر هجوم إرهابيي "داعش"، أخيراً، على مدينة بنقردان التونسية مجرد حادث "إرهابي عادي"، من قبيل الهجمات التي تتكرّر في المنطقة. إنه إنذار من "داعش"، وبالون اختبار. لذلك يجب توقع هجومات مماثلة، وربما أقوى وأعنف مستقبلاً، من التنظيم نفسه. إنها الخطة نفسها التي اعتمدها "داعش" في العراق وسورية، حتى استفاق العالم ذات صباح على إمارة الخليفة البغدادي، وهي تُعلن من الموصل العراقية، وليس من الرقة السورية، معقلها ومنبتها الأول.
"داعش" موجود في ليبيا على مرأى ومسمع من الجميع منذ سنتين تقريبا، وبسط سيطرته على مدينة سرت منذ نحو عام، واستولى على قاعدتها الجوية التي تعتبر أكبر قاعدة عسكرية في المدينة التي كان يتخذها معمر القذافي عاصمته الثانية، بعد طرابلس. ويسير "داعش" ليبيا على نفس خطى أخيه الكبير "داعش" في بلاد الفرات والشام، يتقوى داخلياً من أنصار الرئيس الليبي المقتول، ومن "المجندين" الذين يتدفقون عليها من كل حدب وصوب، وكل هذه العدة والعدد في أفق التمدد شرقاً نحو بنغازي، وغرباً نحو تونس، على اعتبار أنها الحلقة الأضعف والجبهة الأكثر إثارة للانتباه، لتخفيف الضغط الذي يقع على "داعش" الأم في العراق.
هذا ليس مجرد تحليل، وإنما وقائع، عبر عنها، أخيراً، ما يسمى أمير داعش في ليبيا، عبد القادر النجدي، الذي قال إن تنظيمه "انتهج خطى التنظيم في العراق وسورية"، وقال، في حوار أجرته معه صحيفة صادرة في سرت، إن تنظيمه بات مقصداً لأعداد كبيرة من الوافدين للالتحاق بصفوفه من كل صوب، على حد تعبيره.
يسير النجدي على خطى البغدادي، لكن طموحه أكبر من طموح "خليفته"، فهو يضع نصب أعينه روما في إشارة رمزية إلى أوروبا. وطبعا كل الظروف المساعدة على تنامي هذا التنظيم موجودة في ليبيا التي مزّقتها الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات، بالإضافة إلى وفرة قطع السلاح من كل الأنواع التي يناهز عددها 30 مليون قطعة، حسب تقارير متطابقة. يضاف إلى ذلك وجود الصحراء الليبية الشاسعة المفتوحة على الصحراء الأفريقية الكبرى التي باتت مرتعاً للتنظيمات الإرهابية وعصابات التهريب. من دون أن ننسى وجود "خزانات" من المتطوعين في دول المنطقة، من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ومن رعايا هذه الدول في البلدان الغربية، مستعدين للالتحاق بـ "الإمارة" الجديدة.
كانت بنقردان ناقوس الخطر، وإذا لم يتم من الآن التصدي له بقوة وحزم، وبإجراءات عملية
جدية، فلا يستبعد أن تتداعى غداً مدن وأقاليم أخرى، تحت هجمات هذا التنظيم المباغتة.
بعد هجوم بنقردان، كتبت صحيفة لوموند الفرنسية افتتاحيةً تلوم فيها الغرب على تخليه عن تونس، وعدم تقديم يد المساعدة لها على اعتبار أنها الدولة الوحيدة الناجية من تسونامي ما بعد "الربيع العربي"، وحذّرت الجريدة الفرنسية الأوروبيين لكونهم لا يعون الخطر القادم، ويفتقرون إلى بعد النظر الاستراتيجي للتصدّي له، قبل أن يدهمهم في بلدانهم. ومن هنا أهمية تقوية ما تسميها الجريدة الفرنسية "الجبهة التونسية"، لأنها توجد على الخط الأمامي للمواجهة مع الخطر الذي يمثله "داعش".
لكن مسؤولية أوروبا في حماية تونس لا تتمثل فقط في أن سقوط "الجبهة التونسية" سيجعل بلدانها نفسها على خطوط تماسّ مباشرة مع زحف "داعش"، وإنما هي مسؤولية أخلاقية أيضاً، لأن أوروبا هي التي ساهمت، إلى حد كبير، في حالة "الفوضى" الموجودة حالياً في ليبيا، بعد أن شاركت في إسقاط نظامها السابق.
في الحوار المكاشفة الذي نشرته مجلة "أتلانتيك" الأميركية، يعاتب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الدول الأوروبية، وخصوصاً بريطانيا وفرنسا، لأنها تخلت عن ليبيا، بعد إسقاط نظامها السابق، وتركتها فريسة للحرب الأهلية والصراعات القبلية، ومرتعاً للجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية. وإذا كانت مسؤولية أوروبا في ما وقع وما يقع كبيرة، فإن هذا لا يسقط المسؤولية العربية، وخصوصاً دول المنطقة، لأن أطماع "داعش" لن تقف عند تونس، وإنما هدفها إقامة "إمارة" المغرب العربي، أو شمال أفريقيا. وهنا، يجب أن نتساءل: أين ذهبت كل الوعود والهبات التي أعطيت للثورة التونسية، هل وصلت فعلاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، يجب طرح السؤال: أين وكيف صرفت؟
في الأسبوع الأول من قيام الثورة التونسية، كنت من بين خمسة صحافيين، أغلبهم أجانب فرنسيون، التقينا مع الرئيس التونسي المؤقت آنذاك، فؤاد المبزع، طرحنا عليه السؤال: ما هو الخطر الذي يتهدّد الثورة التونسية الفتية؟ فكان جواب الرجل وبدون تردد: ليبيا. قبل أن يضيف شارحاً: الزعيم الليبي لن يريحه نجاح الثورة في تونس، وحدودنا مع بلاده كبيرة ومفتوحة لا يمكن مراقبتها، ومزاج الحكم فيها متقلب، لا يمكن توقع ردود أفعاله.
ازداد الوضع اليوم سوءا، فأصبحت في ليبيا زعامات متعددة، بأهداف واستراتيجيات غامضة ومتضاربة، والحدود المفتوحة باتت مخترقة، وعكس المزاج المتقلب للقذافي، مزاج "داعش" واضح وجلي، يعلنه صراحة ويسعى إلى تنفيذه جهاراً نهاراً بالترهيب والتقتيل: لا منطق للدولة، ولا حاجة إلى الثورة، وكل شيء يهون من أجل إقامة "الإمارة".
"داعش" موجود في ليبيا على مرأى ومسمع من الجميع منذ سنتين تقريبا، وبسط سيطرته على مدينة سرت منذ نحو عام، واستولى على قاعدتها الجوية التي تعتبر أكبر قاعدة عسكرية في المدينة التي كان يتخذها معمر القذافي عاصمته الثانية، بعد طرابلس. ويسير "داعش" ليبيا على نفس خطى أخيه الكبير "داعش" في بلاد الفرات والشام، يتقوى داخلياً من أنصار الرئيس الليبي المقتول، ومن "المجندين" الذين يتدفقون عليها من كل حدب وصوب، وكل هذه العدة والعدد في أفق التمدد شرقاً نحو بنغازي، وغرباً نحو تونس، على اعتبار أنها الحلقة الأضعف والجبهة الأكثر إثارة للانتباه، لتخفيف الضغط الذي يقع على "داعش" الأم في العراق.
هذا ليس مجرد تحليل، وإنما وقائع، عبر عنها، أخيراً، ما يسمى أمير داعش في ليبيا، عبد القادر النجدي، الذي قال إن تنظيمه "انتهج خطى التنظيم في العراق وسورية"، وقال، في حوار أجرته معه صحيفة صادرة في سرت، إن تنظيمه بات مقصداً لأعداد كبيرة من الوافدين للالتحاق بصفوفه من كل صوب، على حد تعبيره.
يسير النجدي على خطى البغدادي، لكن طموحه أكبر من طموح "خليفته"، فهو يضع نصب أعينه روما في إشارة رمزية إلى أوروبا. وطبعا كل الظروف المساعدة على تنامي هذا التنظيم موجودة في ليبيا التي مزّقتها الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات، بالإضافة إلى وفرة قطع السلاح من كل الأنواع التي يناهز عددها 30 مليون قطعة، حسب تقارير متطابقة. يضاف إلى ذلك وجود الصحراء الليبية الشاسعة المفتوحة على الصحراء الأفريقية الكبرى التي باتت مرتعاً للتنظيمات الإرهابية وعصابات التهريب. من دون أن ننسى وجود "خزانات" من المتطوعين في دول المنطقة، من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، ومن رعايا هذه الدول في البلدان الغربية، مستعدين للالتحاق بـ "الإمارة" الجديدة.
كانت بنقردان ناقوس الخطر، وإذا لم يتم من الآن التصدي له بقوة وحزم، وبإجراءات عملية
بعد هجوم بنقردان، كتبت صحيفة لوموند الفرنسية افتتاحيةً تلوم فيها الغرب على تخليه عن تونس، وعدم تقديم يد المساعدة لها على اعتبار أنها الدولة الوحيدة الناجية من تسونامي ما بعد "الربيع العربي"، وحذّرت الجريدة الفرنسية الأوروبيين لكونهم لا يعون الخطر القادم، ويفتقرون إلى بعد النظر الاستراتيجي للتصدّي له، قبل أن يدهمهم في بلدانهم. ومن هنا أهمية تقوية ما تسميها الجريدة الفرنسية "الجبهة التونسية"، لأنها توجد على الخط الأمامي للمواجهة مع الخطر الذي يمثله "داعش".
لكن مسؤولية أوروبا في حماية تونس لا تتمثل فقط في أن سقوط "الجبهة التونسية" سيجعل بلدانها نفسها على خطوط تماسّ مباشرة مع زحف "داعش"، وإنما هي مسؤولية أخلاقية أيضاً، لأن أوروبا هي التي ساهمت، إلى حد كبير، في حالة "الفوضى" الموجودة حالياً في ليبيا، بعد أن شاركت في إسقاط نظامها السابق.
في الحوار المكاشفة الذي نشرته مجلة "أتلانتيك" الأميركية، يعاتب الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الدول الأوروبية، وخصوصاً بريطانيا وفرنسا، لأنها تخلت عن ليبيا، بعد إسقاط نظامها السابق، وتركتها فريسة للحرب الأهلية والصراعات القبلية، ومرتعاً للجماعات الإرهابية والعصابات الإجرامية. وإذا كانت مسؤولية أوروبا في ما وقع وما يقع كبيرة، فإن هذا لا يسقط المسؤولية العربية، وخصوصاً دول المنطقة، لأن أطماع "داعش" لن تقف عند تونس، وإنما هدفها إقامة "إمارة" المغرب العربي، أو شمال أفريقيا. وهنا، يجب أن نتساءل: أين ذهبت كل الوعود والهبات التي أعطيت للثورة التونسية، هل وصلت فعلاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، يجب طرح السؤال: أين وكيف صرفت؟
في الأسبوع الأول من قيام الثورة التونسية، كنت من بين خمسة صحافيين، أغلبهم أجانب فرنسيون، التقينا مع الرئيس التونسي المؤقت آنذاك، فؤاد المبزع، طرحنا عليه السؤال: ما هو الخطر الذي يتهدّد الثورة التونسية الفتية؟ فكان جواب الرجل وبدون تردد: ليبيا. قبل أن يضيف شارحاً: الزعيم الليبي لن يريحه نجاح الثورة في تونس، وحدودنا مع بلاده كبيرة ومفتوحة لا يمكن مراقبتها، ومزاج الحكم فيها متقلب، لا يمكن توقع ردود أفعاله.
ازداد الوضع اليوم سوءا، فأصبحت في ليبيا زعامات متعددة، بأهداف واستراتيجيات غامضة ومتضاربة، والحدود المفتوحة باتت مخترقة، وعكس المزاج المتقلب للقذافي، مزاج "داعش" واضح وجلي، يعلنه صراحة ويسعى إلى تنفيذه جهاراً نهاراً بالترهيب والتقتيل: لا منطق للدولة، ولا حاجة إلى الثورة، وكل شيء يهون من أجل إقامة "الإمارة".