"باقية وتتمدد". شعار اتخذه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وارتبط بشكل كبير، بـ"دولة الخلافة الإسلامية"، وتنصيب أبو بكر البغدادي خليفة، وفق ما أعلن المتحدث باسم التنظيم، محمد العدناني. نجح التنظيم في استقطاب العديد من الحركات والجماعات "الجهادية" في المنطقة العربية، ومن بينها مبايعة جماعة "أنصار بيت المقدس" في سيناء له، وتعديل الاسم إلى "ولاية سيناء".
وبالتالي لم تكن مفاجأة، حين أعلن التنظيم عن استهداف القنصلية الإيطالية صباح السبت الماضي، خصوصاً بعد موجة تفجيرات شهدتها مصر لحوالى أسبوعين، من دون أن تعلن جهة مسؤوليتها، عكس واقعة القنصلية.
وذهبت التكهنات والتحليلات إلى حدّ القول إن "المسؤول عن هذه التفجيرات هو تنظيم ولاية سيناء، باعتباره الأقدر على الساحة المصرية على تنفيذ مثل تلك التفجيرات، أو تأسيس مجموعة جديدة لديها خبرات كبيرة في التخطيط والتنفيذ وتفخيخ السيارات".
وينذر المشهد الحالي في مصر بخطورة شديدة، لناحية تحقيق "داعش" شعارها القائم على التمدد، بالإعلان عن وجود مجموعة تعمل لصالحها في القاهرة ومحافظات الوادي والدلتا، من دون ذكر لـ"ولاية سيناء". والبيان الصادر من قبل التنظيم بتبنّي استهداف القنصلية بسيارة مفخخة، لم يُعلن من خلال "ولاية سيناء"، وإنما من قبل التنظيم الأم خارج مصر.
وتختلف استراتيجية "داعش" تماماً عن تنظيم "القاعدة"، الذي يرتكز في الأساس إلى الصدام، خصوصاً مع الانتكاسة التي تعرّض لها "الربيع العربي"، بانقضاض الجيوش وبقايا الأنظمة البائدة على ثورات الشباب والشعوب.
اقرأ أيضاً: كيف وصلت مفخخات "ولاية سيناء" إلى السويس؟
ويُمكن الاستدلال على مدى أهمية مصر ووضع قدم فيها بالنسبة لـ"داعش"، من خلال عدد مقاطع الفيديو والكلمات لقيادات في التنظيم، على رأسهم أبو محمد العدناني، وآخرون، بضرورة الانتفاضة ومواجهة النظام في مصر.
وتحتل مصر مكانة كبيرة، من حيث إن السيطرة عليها أو أجزاء منها يصبح "فتحاً كبيراً" وجسراً للوصول إلى باقي المنطقة العربية في شمال أفريقيا ونقطة ارتكاز رئيسية. وبإعلان "داعش" مسؤوليته عن استهداف القنصلية الإيطالية، يمكن القول إنه وضع قدماً أخرى في مصر، عقب مبايعة "ولاية سيناء" له. وتُشير مصادر مطلعة إلى أن "تنظيم ولاية سيناء لم يعد يمتد عمله جغرافياً خارج سيناء، عقب مبايعة داعش، بل يركّز أكثر على المواجهات في سيناء فقط".
وتضيف المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "المجموعة الجديدة في مصر، لديها خبرات واسعة وكبيرة في التخطيط للعمليات وتصنيع السيارات المفخخة، ويبدو أن التخطيط لعملية القنصلية تمّ قبل فترة طويلة، أي أن المجموعة متواجدة في مصر منذ أشهر عدة على الساحة من دون الإعلان عن نفسها".
وتؤكد أن "المجموعة الجديدة من دون اسم بعد، لأنها لم تتمكن من السيطرة على منطقة وتكوين قاعدة انطلاق لها فيما بعد، مما يُنذر بقيام عمليات أخرى مشابهة خلال الفترة المقبلة". وحذّرت المصادر من "استمرار العمليات الجهادية وتوسّعها في قلب القاهرة، فالآتي أسوأ".
وتُظهر عملية استهداف القنصلية وجود مكان لتمركز المجموعة الجديدة، كون تصنيع 450 كيلوغراماً من المواد المتفجرة، يحتاج إلى وقت طويل للتصنيع، فضلاً عن استقرار نسبي في مكانٍ ما. ويُرجّح وفق مصادر متابعة أن "يكون موقع تمركز تلك المجموعة في أطراف محافظات الوادي والدلتا، لصعوبة نقل مواد متفجرة بكميات كبيرة من سيناء أو محافظات قريبة منها".
وما يُعزّز فرضية وجود "مجموعة مدرّبة بشكل كبير وليس فرداً أو بضعة أفراد"، هو كمية المتفجرات المستخدمة، وهو أمر ليس مشابهاً مثلاً للهجوم على مساجد في السعودية والكويت، باستخدام انتحاري يضع حزاماً ناسفاً. وتتُيح تفاصيل العملية وجود عناصر مدربة تملك خبرات، تحديداً في صناعة المتفجرات بكميات كبيرة، وهو دليل على عودة بعض "الطيور المهاجرة" من خارج مصر، التي سافرت إلى مناطق الصراعات المسلحة قبل العودة لتنفيذ عمليات.
وتُرجّح مصادر "جهادية"، خارج مصر، أن "يكون هناك أكثر من مجموعة خلال الفترة المقبلة للعمل على الساحة المصرية، اعتماداً على توزيع جغرافي". وتقول المصادر، لـ"العربي الجديد"، إنه "من المتوقع خلال الفترة المقبلة، القيام بعمليات داخل مصر وفي أماكن حساسة، لمجموعات تابعة لتنظيم داعش". وتضيف "تنظيم الدولة لديه طموح كبير في التواجد في مصر بشكل كبير ومؤثر، ولكن هناك بعض الإشكاليات الخاصة بأمور تنظيمية، وهو ما يتطلب مزيداً من الوقت بالنسبة للتنظيم".
من جهته، يقول الخبير الأمني، محمود قطري، لـ"العربي الجديد"، إن "ظهور جماعات جديدة على الساحة الجهادية أمر مقلق للغاية". ويضيف أن "الفشل الأمني غير مسبوق، في تكوين جماعة جهادية جديدة خلال فترة طويلة ماضية، من دون أن يعلم أحد عنها شيئاً مطلقاً".
ويؤكد أن "الأجهزة الأمنية في مصر لديها خلل كبير في التعامل مع الإرهاب بمنطق الثمانينيات والتسعينيات، ولا بدّ من تغيير الاستراتيجية". وتوقع قطري "مزيداً من العمليات ضد قوات الجيش والشرطة والمؤسسات العامة خلال الفترة المقبلة".
ويمكن القول إن "هناك خللاً أمنياً كبيراً في مواجهة الأجهزة الأمنية للتنظيمات الجهادية، بسبب الانشغال بالانغماس في صراعات وخلافات سياسية". وحول آليات المواجهة وعلاج أخطاء المنظومة الأمنية، يقول الخبير الأمني، حسين حمود، إنه "لا بدّ للأجهزة الأمنية من عدم الانصراف لصراعات وخلافات سياسية، والتركيز على مواجهة التنظيمات الإرهابية".
ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنه "لا بد للأجهزة الأمنية البعد عن سياسة القبضة الحديدية فقط، وإنما اتباع الأساليب الجديدة في مواجهة الإرهاب". ويشير إلى أنه "ليس عيباً طلب مساعدة دول عربية وأجنبية، في تدريب كوادر أو تبادل معلومات حول التنظيمات الإرهابية".
ويلفت إلى أن "الأمن في مصر لا يزال يتعامل مع الجماعات الإرهابية بمنطق الثمانينيات والتسعينيات، والوضع الآن أصبح مختلفاً تماماً، لناحية التطور الكبير في القدرات والتواصل بين تنظيمات حول العالم، وسط تبادل خبرات ومقاتلين".
في المقابل، يذهب الخبير في الحركات الإسلامية، كمال حبيب، إلى حدّ القول إن "أحد أهم عوامل انضمام الشباب إلى الجماعات الجهادية سواء داخل أو خارج مصر، هو القهر الذي يمارس على الشباب". ويلفت حبيب في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن ""تزايد القمع والاعتقالات بحق الشباب يسهم في تفكير هؤلاء في تبنّي أساليب عنيفة لتغيير الواقع بالقوة".
ويضيف أنه "باتباع هذه الأساليب نترك قطاعاً عريضاً من الشباب فريسة لاستغلال تلك التنظيمات، خصوصاً أن هناك من انضم لداعش من دون أن تكون لديه خلفية أو مرجعية أو تربية إسلامية". ويلفت إلى أن "هؤلاء الشباب الذين وجدوا المجال العام مغلقاً عليهم ولا يمكنهم من التغيير السلمي، وبالتالي يبحثون عن فرصة لتحقيق الذات وسيجدونها مع داعش، فالتنظيم يجيد توصيل هذا الشعور".
اقرأ أيضاً: "ذي إيكونوميست": نظام السيسي يشدد الخناق على الصحافة