"حماس" وقوى الممانعة

05 اغسطس 2014

احتفال لحماس في بيروت بالنصر في حرب الفرقان (فبراير/2009/أ.ف.ب)

+ الخط -

لا شك في أن المواجهة التي تخوضها حركة حماس مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمستمر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، هي من أقسى المواجهات وأعنفها، وأكثرها كلفة من الناحيتين، البشرية (أكثر من 1500 ضحية) والسياسية. فهي تخوض معركة مواجهة شاملة، تماهت فيها مع أهالي غزة الذين يفوق عددهم مليوناً ونصف مليون، وتماهوا هم معها، بغض النظر عن ظروف هذه المواجهة وتفاصيلها، وعن مدى صحة أسباب اندلاعها وأغراضها التي قيل فيها الكثير.

وتتحمل "حماس" لأول مرة "وحدها" أعباء هذه الحرب العسكرية واللوجستية، وأيضاً، الجيوستراتيجية الداخلية والإقليمية. وهي، طبعاً، ليست المواجهة الأولى التي يخوضها فلسطينيو غزة في السنوات العشر الأخيرة بعد انسحاب إسرائيل رسمياً من القطاع عام 2005.

فقد حصل دورياً، في 2008 ثم في 2010، وكذلك في 2012، قبل أن تفرض حماس نفسها سيطرتها على القطاع عام 2007، وتنشئ فيها "دولتها" الخاصة، بدعم وغطاء إقليميين، في مواجهة السلطة الفلسطينية التي أصبحت "سلطة أبو مازن"، وانحصرت في الضفة الغربية.

وكانت "حماس" يومها منخرطة في "محور المقاومة والممانعة" الذي تقوده إيران ومعها سورية بشار الأسد وحزب الله. وكان سيد هذا المحور يقوم بدور المشجع و"الملقن"، ومن ثم الموظف، وهذا الأهم وهو بيت القصيد، لهذه المواجهات في التسويات العربية-العربية والحسابات الإقليمية-الدولية.

وتتضامن مع "حماس" بعض "قوى الممانعة" الملحَقة، من هنا وهناك، على الصعيدين العربي والإسلامي. فيما كان الخلاف يستمر على أشده بين السلطة و"فتح" من جهة و"حماس" من جهة أخرى. أما مصر، برئاسة حسني مبارك، فكانت تلعب دور وسيط وراعٍ لتلك التسويات مع إسرائيل والولايات المتحدة.

أما اليوم، وبعد اندلاع الثورات والانتفاضات الشعبية لما عرف بـ"الربيع العربي"، بدءاً من تونس في نهاية 2010، ثم في مصر واليمن وليبيا، ولاحقاً في سورية (15 مارس/آذار 2015)، غادرت "حماس" موقع "الممانعة"، مما أدى إلى ابتعادها عن النظام السوري، ومغادرتها دمشق، ودخولها في مواجهة معه، وتدهورت علاقاتها مع أطراف هذا المحور، إلا أن إسرائيل بقيت، في طبيعة الحال، في موقعها، وبقي إصبعها على الزناد مصوباً باتجاه الفلسطينيين، فيما غادر الحليف الميداني "الممانع"، لا الإيديولوجي، أي حزب الله، "ساحة النضال مع العدو الصهيوني" واستدار شرقاً للقتال دفاعاً عن نظام بشار الأسد، منفذاً تعليمات طهران وأوامرها.

فهل غادرت حركة "حماس" محور "الممانعة" لأسباب سياسية، أو لأنها "اكتشفت" قناعتها بحق الشعوب بالحرية والديمقراطية والعيش بكرامة، أم لأسباب عقائدية مذهبية؟

اتهم نائب رئيس حركة حماس، موسى أبو مرزوق (المصري الهوى) حزب الله بالتقاعس، وطالبه في تصريح لوكالة "نوفوستي" الروسية بفتح جبهة ثانية (من جنوب لبنان؟) لمساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.

وفي اليوم التالي، نقلت جريدة السفير اللبنانية عن مصدر في "حماس" تأكيده أن "الكلام وحده لم يعد كافياً، ونحن، إذ نحيي مواقف السيد حسن نصر الله والقيادة الإيرانية، فإننا نريد تحركاً من شأنه أن يهز الحدود العربية مع فلسطين".

وأوضح المصدر: "لا نريد إشعال الجبهة الشمالية مع العدو، لكننا نريد أفعالاً، نريد تحريك الجبهة وتسخينها"، واتهم "حزب الله" بالبقاء مكتوف اليدين، متسائلا: "ما الذي ينتظره الحزب للتحرّك؟ سقوط غزة؟ لمَ لا يهزّ العصا للإسرائيلي؟ ولمَ البقاء مكتوف اليدين؟ لا بل أكثر من ذلك، بغض النظر عن دعم غزة، لمَ لا يردّ الحزب، مثلاً، على خطف أحد الرعاة من شبعا (على الحدود مع فلسطين)، هل ينص القرار 1701 على هذا الأمر؟".

وبما أنه ليس وارداً لدى حزب الله، الغارق في الأوحال السورية، وفي مستنقع التعطيل السياسي والمؤسساتي في لبنان، والمتهيب من أي احتمال لعودة شبح عمليات التفجير الإرهابية في مناطق نفوذه، وبالتالي، الاشتعال المفاجئ لنار الفتنة المذهبية السنيّة الشيعية، فتح أي جبهة قتال مع إسرائيل، أو حتى مناوشتها، أو إزعاجها على الأقل، وهذا ما نعتقد أن قيادة "حماس" تدركه جيداً.

إذ أن نصر الله التزم الصمت أكثر من أسبوعين من بدء الحرب على غزة، ليطل في "يوم القدس" (25 يوليو/تموز الماضي)، ليعلن تضامنه ودعمه (الكلامي طبعاً) مع غزة، ثم ينطلق متهما، كالعادة، بعض الحكام العرب بـ"التواطؤ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، ومطالبتهم له بإكمال الحرب على الفلسطينيين".

لذلك، فإن مطالبة حماس تندرج في إطار تسجيل موقف على حزب الله، وإحراجه أمام جمهوره، ومن أجل إيصال رسالةٍ إلى أسياده في طهران، الغارقين في أوحال العراق وسورية و"داعش"، وعينهم على تسوية الملف النووي مع الولايات المتحدة... على حساب لحم الفلسطينيين!

تقاتل "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية، ويصمد الفلسطينيون وحدهم، وليس هناك من أوجه شبه اليوم بين حرب "حماس" في غزة وحرب حزب الله في يوليو/تموز 2006. فهل كان فعلاً من الصعب تحاشي هذه المواجهة؟ والأهم، أليس ملحاً وقف هذه الملحمة الفلسطينية الجديدة؟

5231ACF6-F862-4372-9158-B1655EE52A60
سعد كيوان

صحافي وكاتب لبناني، عمل في عدة صحف لبنانية وعربية وأجنبية.