"حصاد مقدس" عنوان المعرض الذي يجمع التشكيلي فؤاد ميمي (1949) والمعماري عمار خماش (1960) والتشكيلي هاني علقم (1977) الذي يقام حالياً في غاليري "نبض" في عمّان ويتواصل حتى السابع من الشهر المقبل.
في المعرض عودة إلى رسم الطبيعة الصامتة، وإن كان الوصف ليس دقيقاً، فالطبيعة التي تظهر في أعمال الفنانين الثلاثة التقطتها اللوحات في لحظة حيوية جداً، وكان يظهر من عنوان المعرض "حصاد مقدس" فإننا أمام مشاهد خصبة خضراء ومفعمة بالضوء والحركة.
هذه الميزات التي جمعت الفنانين الثلاثة، لكن كلاً منهم قدّمها متفرّدة بضربات الفرشاة المسرعة والقوية، كالتي تظهر في أعمال علقم، أو تلك الهادئة والأقل خشونة عند خماش وميمي.
بالنسبة إلى ميمي، فإن تعبيرية لوحاتة تتجلى من خلال الترتيب الصوري المكتمل، إنه فنان ترتيب العناصر كما لو أنه يضبط ديكور غرفة، العناصر بسيطة لكنها متنوعة، إنه يرغب في أن يكون كل تفصيل من اللوحة مرئياً بما يكفي ليؤدي دوره سواء أكان ثانوياً أو أساسياً.
اللون أساسي عند ميمي، إنه صريح ويترك له المساحة ليظهر ويكتمل بكل طبقاته وتدرجاته، لذلك يكون النظر إلى أعمال ميمي مريحاً ومنساباً، إنه يحرص على أن يجعل من النظر إلى اللوحة تجربة تقترب من النظر إلى الأفق المفتوح؛ لا يوجد ما يشوّش على العين أو يسبب انقطاعاً أو إرباكاً في ما ترى.
على العكس من هذا التصور التشكيلي تماماً تقف أعمال علقم، العمل المتناغم في كليته متوتر في جزئياته، ثمة تفاصيل كثيرة صغيرة ومتلاحمة تخفي وراءها المزيد من التفاصيل. وسواء أكانت لوحته رسمًا بسيطًا، أو منظرًا طبيعيًا، أو صورة أكبر من الحجم الطبيعي، فهناك شحنة مكثفة وشديدة الدراما في العمل الفني عنده. ثمة أعمال يجسّد فيها مشاهد لجبال عمان وبيوتها المتراكمة.
أما بالنسبة لأعمال خماش، فإنها مزيج بين الحالتين، يتفق ذلك مع روحه المعمارية وعمله الأركيولوجي في تاريخ الصخور والطبقات الأرضية، فقد درس الآثار قبل أن يغادر إلى أميركا لدراسة الهندسة المعمارية، ورغم أن الطبيعة ليست صحراوية هذه المرة، لكنها متعددة الطبقات ومأهولة باللون المريح، والتفاصيل الواضحة، وقد اقتبس عنوان المعرض من مقولة له وصف بها اللوحة بأنها "حصاد مقدس، يجري بشكل طبيعي، في لحظة من الوجود الكامل للحقيقة الأعمق والأكثر دقة".
المشترك الأخير بين هذه الأعمال لثلاثة فنانين من مدارس وتجارب وأجيال مختلفة، أنها كلها تتناول علاقة الإنسان والطبيعة، الإنسان لا يظهر إلا في عملين لعلقم، لكنه يظهر في كل اللوحات على شكل طبقات من التوتر والهدوء، يظهر في رؤية الفنانين وزاوية النظر إلى العالم من حولهم.
لم يعد الفنانون اليوم يكترثون كثيراً لرسم المناظر الطبيعية، والعودة إلى ذلك أشبه ما تكون بالمغامرة في أرض طرقت كثيراً ولم تعد تسترعي الكثيرين، لكن تجارب ميمي وخماش وعلقم، تجعلنا نعيد النظر في هذه الفكرة.