اعتمدت "جبهة النصرة" الطريقة نفسها التي أنهت بها وجود "جبهة ثوار سورية" المدعومة أميركياً، لتُجهز في اليومين الماضيين على حركة "حزم" وتنهيها من الوجود، بعد أن اقتحمت مقراتها في ريف حلب الغربي، حيث معقلها الرئيسي، واستولت وقتلت وجرحت معظم عناصرها، لتُجبر قيادة "حزم" على إعلان حل الحركة كتشكيل عسكري محسوب على الجيش السوري الحر، من دون أن تتمكن أي من الفصائل العسكرية الأخرى أن تفعل شيئاً، أو تضع حداً لتمادي "النصرة" على أي فصيل تنوي إزاحته عن الوجود، بدعوى الفساد في الأرض.
وكانت نقطة الفصل هي المواجهات بين "حزم" و"النصرة" في ريف حلب الغربي، مساء أمس الأول الأحد، والتي انتهت إلى سيطرة قوات "النصرة" على منطقة المشتل ومنطقة ميزناز والفوج 46 الواقع قرب مدينة الأتارب، وهي مناطق كانت تتمركز فيها حركة "حزم" في ريف حلب الغربي.
وأكدت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد" أن عشرة مقاتلين فقط من حركة "حزم" تم التأكد من مقتلهم على يد الجبهة، فيما لا يزال نحو ستين آخرين في عداد المفقودين، ويُرجَّح أن يكون بينهم قتلى أو أسرى لدى الجبهة.
وبعد هذه الهزائم، أصدرت قيادة "حزم" في حلب بياناً أعلنت فيه حل نفسها وانضمام عناصرها إلى قوات "الجبهة الشامية"، التي تُشكّل أكبر فصائل المعارضة السورية في مدينة حلب وريفها. وجاء ذلك بعد يوم واحد فقط من إعلان الكتائب التابعة لـ"حزم" في مدينة دارة عزة في ريف حلب الغربي عن انسحابها من الحركة وانضمامها إلى كتائب "ابن تيمية" التي تعمل في المنطقة.
وكانت "النصرة" فرضت، منذ صباح الأحد، حصاراً كاملاً على مدينة الأتارب، أكبر مدن ريف حلب الغربي، والتي يتحصن فيها ما تبقى من عناصر "حزم" الذين أعلنوا الانضمام إلى الجبهة الشامية، في الوقت الذي واصلت فيه قوات الجبهة إفراغ مستودعات الفوج 46 من السلاح والذخائر المخزنة فيها، بحسب شهود عيان في المنطقة.
وأعلنت الجبهة، في بيان، لاحقاً أن عملية الفوج 46 قد انتهت عسكرياً، وتوعّدت بالاستمرار في ملاحقة رؤوس وقيادات حركة "حزم" التي وصفها البيان بالعصابة المجرمة، مضيفة "ليس مجرد انتماء الشخص لـ"حزم" في الفترة السابقة يُعد جرماً يُعاقب عليه، وإنما سيُحاسب فقط من يثبت إجرامهم بحق المسلمين والمجاهدين، وأما جنود حزم الذين يُثبت القضاء الشرعي براءتهم من التلبس بجرم أو إصابة دم بغير حق، فلا سبيل لنا عليهم إن سلموا أنفسهم للتحاكم عبر دار القضاء أو الهيئة الشرعية، وكل هذا بشرط أن يُوقّع هؤلاء على تعهُّدٍ بمتابعة جهادهم، وعدم القتال مرة أخرى إلى جانب المفسدين المجرمين".
وتوجّه بيان "النصرة" إلى أهالي بلدة الأتارب مطمئناً إياهم، قائلاً: "أنتم أهلنا ونحن أبناؤكم، ولا تستمعوا للدعوات المغرضة التي تريد زرع الفتنة بيننا وبينكم، فنحن لا مطمع لنا ببلدتكم".
اقرأ أيضاً: سورية: عشرات القتلى لـ"النصرة" و"حزم" في معاركهما بحلب
وتشكّلت حركة "حزم" بداية عام 2014 من بعض الفصائل التابعة للمجالس العسكرية، بعد حل تلك المجالس في الربع الأخير من عام 2013، إثر إقالة الائتلاف الوطني السوري اللواء سليم إدريس من قيادة أركان الجيش الحر، الأمر الذي خلق خلافات داخل المجالس العسكرية أدت إلى حلها، ما دفع إدريس إلى جمع الفصائل التي تؤيده وأقنعها بالتوحّد ضمن تشكيل عسكري يتولى هو تأمين التمويل له من الولايات المتحدة الأميركية من خلال علاقاته بالأخيرة، ليُعلن في يناير/كانون الثاني من عام 2014 عن تشكيل حركة "حزم" التي ضمت مجموعة من الفصائل في كل من حلب وإدلب وحماة وريف دمشق الغربي وريف اللاذقية.
وكان الثقل الأكبر للحركة في ريف حلب الغربي الذي تتواجد فيه أكبر فصائلها، التي تضم لواء شهداء الأتارب الذي كان قوامه نحو ألف مقاتل آنذاك، كلهم من أبناء مدينة الأتارب، بالإضافة إلى ثلاث كتائب في مدينة دارتعزة، كان أبرزها كتيبة أبوعرب. وفي مدينة حلب انضمت مجموعة من الكتائب إلى "حزم" من أبناء المدينة، أبرزها كتيبة شهداء الجامعة التي تضم نحو 300 مقاتل ومقرها بستان القصر، كما تمتلك الحركة مقرات في حي الهلك في مدينة حلب، وعلى جبهة حندرات في الريف الشمالي من مدينة حلب عناصرها من أبناء المنطقة.
أما في محافظة إدلب، فكانت القوة الكبرى للحركة تتمركز في بلدة خان السبل جنوب شرق مدينة إدلب، بالإضافة الى بعض الكتائب الموزعة في قرى جبل الزاوية كعين لاروز، وجوزف، ومرعيان، والتي انتقلت في معظمها إلى جبهة حلب إثر سيطرة "النصرة" على مواقع "جبهة ثوار سورية" في المنطقة.
وفي محافظة حماة، كان لحركة "حزم" تواجد عسكري من خلال كتائب "فاروق حماة" التي انضمت إلى الحركة في بداية تشكّلها، ولكنها لم تكن ذات فعالية تذكر. كما انضمت للحركة بعض الفصائل التي تُقاتل في ريف دمشق الغربي في مناطق الزبداني ومضايا، بالإضافة إلى فصيل من جبل التركمان في ريف اللاذقية.
واستندت "حزم" في توسيع تواجدها على ضم العناصر أكثر من اعتمادها على ضم فصائل، وذلك لسهولة التحكم بهم، إذ أعطت ميزات للعناصر المنضوين تحت لوائها، كرواتب مقبولة (نحو 200 دولار)، بالإضافة إلى العدة والعتاد المتطور التي أغرت الكثير من العناصر بترك فصائلها والانضمام للحركة.
واعتمدت الحركة في تمويلها بشكل أساسي على الدعم الأميركي، إذ اعتمدتها الولايات المتحدة كقوة أساسية ضمن القوى المصنفة أميركياً كقوى معتدلة ضمن فصائل المعارضة السورية والتي أنشأت واشنطن برنامجاً خاصاً لتمويلها وتدريبها.
وساهمت ضربات التحالف على مقرات "النصرة" في بداية تشكّل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وتبنّي الولايات المتحدة لهذه الضربات بشكل منفرد عن باقي قوى التحالف، في زيادة نقمة "النصرة" على الولايات المتحدة واعتبارها لكل الفصائل التي تتلقى دعماً من الولايات المتحدة بأنها مشاريع أعداء مستقبليين قد توجّههم واشنطن لحربها بعد تسليحهم وتدريبهم، فعمدت "النصرة" إلى تصفية هذه الفصائل قبل أن تُشكّل قوة مدربة أكبر في المنطقة، واتخذت موضوع الفساد ذريعة للقضاء على كل التنظيمات المدعومة أميركياً، وقد بدأت بتصفية "جبهة ثوار سورية" نهاية العام الماضي، ليتصاعد الخلاف بينها وبين حركة "حزم" بالتزامن مع بداية برنامج التدريب الأميركي التركي بشكل فعلي في الأول من مارس/آذار الحالي.
وتتميز "حزم" بأنها من أكبر الفصائل التي تمتلك مدرعات ومضادات دروع (من دبابات، وشيلكا، ومدافع فوزديكا، وعربات ب. م. ب.) والتي كانت تُستخدم بكفاءة عالية في المعارك، إذ تمتلك الحركة 27 دبابة في محافظة حلب. ويُعتبر الفوج 46 الذي انسحبت منه أمس الأول هو المستودع الرئيسي الذي تتواجد فيه هذه المدرعات، ما يعني أنها خسرت كل سلاحها النوعي الذي استولت عليه "النصرة"، الأمر الذي يُفسّر مسارعتها إلى حل نفسها، بسبب فقدانها سلاحها النوعي الذي يُشكّل نقطة قوتها.