"حارس" مصرف لبنان يردّ "كُرة الانهيار" إلى السياسيين

11 نوفمبر 2019
رياض سلامة في مؤتمره الصحافي ظهر الإثنين (فرانس برس)
+ الخط -

لم يتوانَ حاكم "مصرف لبنان" المركزي، رياض سلامة، في إطلالة إعلامية اليوم الإثنين، عن تفنيد كل الادعاءات، سياسية وغير سياسية، التي تلصق به صفة "الحرامي" و"العميل الأميركي" وتحمّله مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المالية والمصرفية من وضع حرج شحّت معه السيولة في السوق وجمَح الدولار إلى مستويات بلغت قبل أيام ألفي ليرة للدولار، قبل أن تتباين صعوداً وهبوطاً إلى أن عادت اليوم إلى 1750 ليرة عند الصرّافين، فيما كانت السوق الرسمية مقفلة لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف.

الوصول إلى مقرّ الحاكمية في مبنى البنك المركزي الرئيسي في الحمرا لحضور مؤتمر الحاكم ظُهراً، لم يكن مهمة سهلة كما جرَت العادة، حيث اضطر الإعلاميون والتقنيون إلى اختراق تجمّع المنتفضين أمام مدخل المصرف بمحاذاة مدخل وزارة الداخلية والبلديات، والذين قطعوا السير على الخط باتجاه الحمرا، فيما كان عشرات ضبّاط الجيش وقوى الأمن الداخلي والعناصر يشتبكون كلامياً مع المعتصمين المنددين بالفساد وما يعتبرونه دور "مصرف لبنان" في إثراء المصارف على حساب ودائع المواطنين، مقيمين ومغتربين. 

مؤتمر سلامة الحاشد الذي انتقد ناشطون وإعلاميون وحتى "نقابة محرّري الصحافة اللبنانية" عدم تعميم الدعوة لحضوره وحصرها بأسماء دون أُخرى في ظاهرة لعلها الأولى من نوعها باعتبار أن الدعوات عادة ما تكون مفتوحة لعموم الإعلاميين من دون استثناء، عزاها الكثيرون إلى عدم الرغبة بحضور إعلاميين "استفزازيين"، بينما أفادت مصادر "المركزي" بأن الدعوة استُثنيت منها مواقع إلكترونية نظراً لوجود المئات منها وعدم قدرة القاعة على استيعاب عدد هائل من الإعلاميين.



وقد اغتنم الحاكم المناسبة لتوجيه عدد من الرسائل والتركيز على 10 نقاط كانت هي الأبرز:

1 - أثر استقالة الحريري من السعودية

وكان لاستقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أثناء وجوده في السعودية نتائج على الوضع النقدي في لبنان، وفقاً لسلامة، الذي أوضح أن ذلك "تزامن مع توسّع في حجم القطاع العام، ووصلنا إلى عجز مرتفع عام 2018 تجاوز 11% من الناتج المحلي الإجمالي. كما أننا شاهدنا تراجعا في التصنيف الائتماني المتعلق بلبنان، إضافة إلى تقارير عدة سلبية، ما زعزع الثقة، وكذلك فعلت الشائعات وبث الأخبار من أشخاص غاياتهم سلبية، ما أضر بمعنويات الأسواق. وفي ظل هذه المعطيات كان هدف مصرف لبنان أن يلعب دوره كما حدده القانون، وهذا الدور يتجلى بالحفاظ على الثقة بالليرة التي هي أداة لتأمين نمو اقتصادي واستقرار اجتماعي".

2 - الاحتياطي الأجنبي وانتكاسة "أيلول"

أوضح الحاكم أنه بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول، ارتفعت موجودات "مصرف لبنان" بالعملات الأجنبية مليارَي دولار تقريباً، لكن في أول سبتمبر/ أيلول دخل البلد في انتكاسة مع تسمية مصرف (جمّال ترست بنك) على لائحة "أوفاك" الأميركية، ما أدى إلى سحب نقدي بمبالغ كبيرة بالليرة اللبنانية من مصرف لبنان، وخلال سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني، سحبت السوق مبالغ تعادل ما سحبه الاقتصاد خلال السنوات الثلاث الماضية، وهذا ما أثر على السوق النقدية بالدولار، وتلاه تسجيل الدولار ارتفاعاً كبيراً عند الصرافين، مصحوباً بتنامي ظاهرة تفضيل اللبنانيين ادخار النقد في بيوت بقيمة 3 مليارات دولار.

3 - تعثر المصارف ممنوع

حول هذه النقطة قال سلامة إن لبنان أمام مرحلة جديدة هدف "المركزي" الأساسي الأول فيها المحافظة على سعر صرف الليرة، والمصارف تتعامل بالسعر المُعلن من مصرف لبنان، والإمكانات متوافرة لذلك، فيما الهدف الأساسي الثاني حماية المودعين والودائع وهذا موضوع نهائي، بحسب سلامة الذي أكد أن الإجراءات اتُخذت لتلافي تحميل المودعين أي خسائر. كما شدّد على أن الودائع مؤمنة والمصارف لديها أموال موظفة في الخارج ومع الدولة ومع القطاع الخاص، فيما كلفة ديون القطاع الخاص من المصارف تساوي 10% من حجم الاقتصاد.

4 - تأمين السيولة للبنوك

أكد سلامة أن "المركزي" أعلم البنوك أن بإمكانها الاستلاف منه بالدولار الأميركي، إنما بفائدة عالية جداً تصل إلى 20%، من أجل تأمين حاجاتها من السيولة الدولارية، وبشرط عدم إتاحة الإمكانية لتحويل هذه الأموال حصراً إلى الخارج.
5 - التحويل إلى الخارج للضرورة فقط

مع أن التحويلات إلى الخارج تعود إلى العلاقة بين المصارف وزبائنها، لكن سلامة اعتبر في هذه الظروف أن على التحويلات الدولارية أن تلبي الضروريات فقط، وقد طلبنا من المصارف العودة إلى ممارسات تساوي بين الوضع الاستثنائي والضروريات وتلبية حاجات المواطنين في الداخل والخارج.

6 - لا اقتطاع ولا قيود رأسمالية

تأكيد عدم وجود نية لإجراء ما يُعرف باسم "Haircut" لأن "مصرف لبنان"، بحسب سلامة، لا يُمكنه فعل هذا الأمر باعتبار أن الودائع ملك اللبنانيين، لكنه طلب من المصارف تلبية حاجات اللبنانيين في الداخل والخارج، وإعادة تقييم جميع التسهيلات الائتمانية التي قلصوها منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول، أي بداية الحراك في الشارع، وهي تعيد النظر بها تبعاً لدراسة وضعها كما تلبي الشيكات المرتجعة التي أنتجها تخفيض هذه التسهيلات.

كذلك، طمأن الحاكم إلى عدم تمتّع "المركزي" بصلاحية لفرض قيود رأسمالية من خلال اعتماد مبدأ "Capital Control"، فضلاً عن عدم وجود رغبة لديه في القيام بذلك.

ولم يتأخر رد فعل "جمعية مصارف لبنان" على مؤتمر سلامة، فأشادت بـ"عدم وجود النية باعتماد آلية الكابيتال كونترول أو الهيركات، فضلاً عن ترحيبها بتوجيهاته في ما يخصّ التحويلات إلى الخارج، وضرورة أن تكون مرتبطة بحاجات الناس الضرورية وبما يتلاءم مع متطلبات الواقع والظروف الاستثنائية".

7 - لا اقتصاد بدون دولار

بما أن الاقتصاد اللبناني مدولر بنسبة عالية، قال سلامة إن هذا يعني أنه لا اقتصاد من دون دولار، ولذلك يعمل المصرف المركزي على تأمين التمويل للبلد من أجل استمراريّته، غامزاً من قناة الإهدار والفساد في الدولة بالقول: "لكنّنا لسنا نحن من يصرف الأموال".

8 - وصاية أميركية؟

ورداً على سؤال عما إذا كان ينفذ سياسة الولايات المتحدة الضاغطة على لبنان، لا سيما "حزب الله" وحلفائه، قال سلامة إنه ينفذ سياسة تخدم مصلحة لبنان فقط لا غير، وأن "مصرف لبنان" يحاول حماية البلد في ظروف إقليمية صعبة.

9 - سداد استحقاقات الديون

ومع قرب حلول استحقاق ديون على الدولة خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أكد سلامة العمل على سداد استحقاق هذا الشهر بالاتفاق مع وزارة المالية، كاشفاً "أننا كنّا اتخذنا الإجراءات اللازمة لإتمام هذا الأمر".
10 - حكومة سريعة وموازنة بلا عجز

بانتظار إطلاق رئيس الجمهورية ميشال عون الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية مهمتها تأليف حكومة جديدة بعد استقالة سعد الحريري التي أطاحت "الإصلاحات" وطيّرت مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2020، أكد سلامة أن رؤية "مصرف لبنان" لتجاوز المأزق الحالي الذي تمر به البلاد، يكمن من ناحية في تسريع تشكيل الحكومة العتيدة، ومن ناحية ثانية أن تكون الموازنة القادمة من دون عجز وتضمن تأمين الخدمات الأساسية للمواطن.

ولاقت جمعية المصارف إثر اجتماعي استثنائي عقدته بعد مؤتمر الحاكم مباشرة، توجهات سلامة، فأكدت "الاستمرار في العمل المسؤول من أجل تأمين حاجات الناس الأساسية، وأنها تعتبر أن عودة الاستقرار السياسي ستساهم إلى حد كبير في عودة الأمور إلى طبيعتها.

وكان سلامة خلال مؤتمره الصحافي قد ركّز على الآثار السلبية التي أنتجتها الصراعات السياسية على الاقتصاد، ولا سيما على مستوى انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومات الجديدة وتأجيل إرجاء الانتخابات النيابية، حيث تتفوق المصالح السياسية والشخصية على مصلحة المواطنين واقتصاد البلاد واستقرارها نقدياً ومالياً واجتماعياً.




بيان جمعية المصارف


وبعد مؤتمر سلامة، عقد مجلس إدارة "جمعية مصارف لبنان" اجتماعاً استثنائياً، رحّبت الجمعية بنتيجته بالتوجيهات التي صدرت عنه، وأملت في أن يكون لتصريحاته وقع إيجابي على عمل المصارف، خصوصاً أنه أكد التزام "المركزي" الحفاظ على الاستقرار النقدي وسعر الصرف وحماية ودائع الناس.

كما أشادت الجمعية بتطمينات الحاكم في ما يخصّ عدم النية باعتماد آلية "الكابيتال كونترول" أو "الهيركات"، ورحّبت بتوجيهاته في ما يخصّ التحويلات إلى الخارج، وضرورة أن تكون مرتبطة بحاجات الناس الضرورية وبما يتلاءم مع متطلبات الواقع والظروف الاستثنائية.

وأكدت الجمعية الاستمرار في العمل المسؤول من أجل تأمين حاجات الناس الأساسية، واعتبرت أن عودة الاستقرار السياسي ستساهم إلى حدّ كبير في عودة الأمور إلى طبيعتها.

إضراب موظفي المصارف

أما المجلس التنفيذي في "اتحاد نقابات موظفي المصارف"، فقد قرر في جلسة طارئة عقدها اليوم، إعلان الإضراب العام في القطاع والتوقف عن العمل من صباح يوم غد الثلاثاء حتى عودة الهدوء إلى الأوضاع العامة التي يحتاج إليها القطاع لمعاودة العمل بشكله الطبيعي المعتاد.

ولفت البيان إلى أن القطاع شهد الأسبوع الماضي أوضاعاً غير مستقرة أدت إلى ظروف عمل غير مقبولة، وبالأخص بعد تعرض الزملاء والزميلات لإهانات وشتائم واعتداءات من مودعين، إضافة إلى حالة الفوضى في عدد من الفروع، ما أدى إلى إرباك وقلق وخوف لدى الموظفين الذين استمروا في القيام بواجباتهم المهنية.

وحول هذا الموضوع، أصدرت جمعية المصارف بياناً مساء اليوم،  أوضحت فيه أن مجلس إدارتها عقد اجتماعا طارئا لبحث إعلان اتحاد نقابات الموظفين الإضراب العام المفتوح ابتداء من غد الثلاثاء، وأكدت أنها ستعمل مع المسؤولين على إيجاد إطار العمل الطبيعي لحفظ كرامة الموظفين ولتأمين حماية لهم، باعتبار ذلك أولوية للمصارف، على أن يتواصل مجلس الإدارة فورا مع الاتحاد لمناقشة الوضع القائم.
المساهمون