استبق المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أمس الإثنين، وصول وفدي المعارضة السورية والنظام إلى المدينة السويسرية، بالكشف عن تحركات دبلوماسية في عواصم لها تأثير على طرفي التفاوض في جنيف. وكانت الوفود المشاركة في جولة جديدة من المفاوضات السورية، قد بدأت بالوصول إلى جنيف، أمس الإثنين، بسقف توقعات منخفض، إذ إن الدعوات وصلت إلى الوفود من دون جدول أعمال، ما يضعف من أهمية هذه الجولة، التي ستتم بين كل طرف ودي ميستورا، لا عبر لقاءات مباشرة.
ولا تعول مختلف الأطراف على أن تخرج جولة مفاوضات جنيف، التي تنطلق اليوم وتستمر حتى السبت المقبل، بنتائج هامة، بل وتعتبر من أكثر الجولات التي تبدأ بسقف توقعات منخفض. ويرجح محللون أن دي ميستورا سعى لعقدها، بهدف المحافظة مبدئياً على مسار جنيف، وهو نفسه لم يخف ذلك عندما قال، أمس، إن "الهدف الآن هو تأمين استمرارية المفاوضات". وخلال مؤتمر صحافي في جنيف التي ستستضيف جولة المفاوضات السورية السادسة، أكد دي ميستورا أن "جنيف 6" ستركز على "قضايا سياسية وإنسانية"، لكنه كشف عن أن المفاوضات لن تكون مباشرة بين وفدي المعارضة السورية والنظام، مبرراً ذلك بوجود قضايا خلافية رئيسية بين الجانبين، منوهاً بأنه يوجد لديه "دعم دولي لتنفيذ خطتنا في سورية". واعتبر أن وفد النظام السوري الذي يحضر محادثات السلام في جنيف جاء "للعمل"، متجاهلاً تصريحات رئيس النظام بشار الأسد بأن مفاوضات جنيف مجرد "لقاء إعلامي". وأعلن أنه لن يعلق على تصريحات الأسد، التي بثتها محطة "أو إن تي" التلفزيونية من بيلاروسيا الخميس الماضي، والتي قال فيها "حتى الآن هو مجرد لقاء إعلامي، لا يوجد أي شيء حقيقي في كل لقاءات جنيف السابقة". وأشار دي ميستورا إلى أن رئيس وفد النظام إلى المفاوضات، بشار الجعفري، حضر إلى جنيف على رأس وفد من 18 شخصاً. ودعا إلى تقليص مشاركة وسائل الإعلام من أجل تعزيز مناخ "أكثر نشاطاً". وأوضح دي ميستورا أن " هذه الجولة من المفاوضات ستكون عملية أكثر، وسنركز على بعض المواضيع من أجل التحرك إلى الأمام". وقال "نريد وقف التصعيد في سورية، وهذا ما سعينا إليه في أستانة"، مشيراً إلى ترابط جنيف وأستانة ولا نية للفصل بينهما، محذراً، في الوقت ذاته، من أن خفض أعمال العنف لن يستمر من دون آفاق وتسوية سياسية. وأعلن أن الولايات المتحدة زادت من انخراطها في العملية، مشيراً إلى تحرك دبلوماسي على مستوى عالٍ يتم خلف الأضواء. وقال "كل شيء متصل. هناك اجتماعات مهمة تعقد، وستعقد. هناك مباحثات تتم في عواصم لها تأثير على ما نتفاوض عليه. ولكني لن أوضح أكثر".
وتعقد جولة مفاوضات جنيف، للمرة الأولى، منذ إقرار اتفاقية إنشاء "مناطق منع التصعيد"، في العاصمة الكازاخية أستانة، بداية مايو/أيار الحالي، والتي دخلت حيز التنفيذ في السادس من مايو، وسط حديث روسي عن مخطط لتوسيع هذه الاتفاقية، حتى تشمل مناطق أخرى بالبلاد. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بلاده "توافقت مع تركيا وإيران ونظام الرئيس السوري (بشار) الأسد والمعارضة المسلحة، خلال اجتماع أستانة قبل أيام على مذكرة لتطوير" مناطق خفض التصعيد" في سورية، ودعم المقترح الأميركي بإقامة مناطق آمنة "مع الأخذ في الاعتبار أن هذه التجربة ستعمم على جميع الأراضي السورية". وكانت المعارضة السورية قد أكدت مشاركتها في مفاوضات جنيف، قائلةً إن الوفد الذي سيمثلها هو نفسه الذي شاركت به في جولة التفاوض السابقة، وعلى رأسه نصر الحريري، كرئيس للوفد وكمتحدث وحيد في المؤتمرات الصحافية داخل مقر الأمم المتحدة، على أن يكون سالم المسلط هو المتحدث الرسمي باسم الهيئة العليا للمفاوضات. ويضم الوفد أيضاً نائب رئيس الوفد المفاوض، أليس المفرج، وكبير المفاوضين، محمد صبرا، إضافة إلى 17 عضواً آخرين. كذلك يشارك النظام بالمفاوضات، رغم أنه سعى في الأيام الأخيرة لتسخيفها، إذ اعتبرها الأسد مجرد "لقاءات إعلامية" لا تحرز أي نتائج تُذكر، معطياً أهمية أكبر لمسار أستانة الذي أسست له موسكو، فيما كان وزير خارجيته، وليد المعلم، قد اعتبر أن محادثات جنيف لا تحرز تقدماً، وعليه فإن دمشق تعول على ما أسماه "المصالحات الوطنية"، في إشارة منه إلى اتفاقيات التهجير والتغيير الديمغرافي التي تنفذها قوات النظام في مناطق المعارضة، تحت إشراف روسيا.
على صعيد متصل، أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن روسيا لن تسلح الأكراد في سورية. وأشاد بوتين، أمس، بالمقاتلين الأكراد ووصفهم "بإحدى أهم الوحدات الأكثر فاعلية" ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، موضحاً أن لروسيا "اتصالات عمل" معهم، لكنه أصر على أن موسكو لن تسلح الأكراد "لأن لديهم مصادر أخرى للحصول على أسلحة"، في إشارة إلى الولايات المتحدة.
إلى ذلك، وبينما غادرت أمس الإثنين، الدفعة العاشرة من مُهجري حي الوعر في مدينة حمص نحو محافظة إدلب شمالي البلاد، وتضم نحو 2000 شخص، وصل أكثر من 2500 مُهجر إلى محافظة إدلب، بعد أن كانوا قد غادروا حي القابون، أول من أمس، على متن حافلات أقلتهم إلى مكان إقامتهم الجديد. وجاء ذلك ضمن اتفاق تهجير جديد، فرضه النظام السوري، على مقاتلي المعارضة وعائلاتهم ومدنيين آخرين من حي القابون بدمشق، الذي بات معظمه مدمراً، نتيجة حملة النظام العسكرية هناك، والتي بدأت قبل ثلاثة أشهر. وقبل ذلك، هجّر النظام السوري، خلال الأيام الثلاثة الماضية، دفعتين من المقاتلين والعائلات في حيي تشرين وبرزة، نقلوا إلى محافظة إدلب شمال سورية. ومع تهجير النظام لمقاتلي المعارضة السورية المسلحة مع مئات العائلات من أحياء برزة وتشرين والقابون، تكون كامل منطقة شمال شرق دمشق تحت سيطرة النظام السوري، فيما يبقى حي جوبر شرقي العاصمة والمتصل بالغوطة الشرقية، تحت سيطرة المعارضة السورية حتى اليوم.
من جهة أخرى، أكد نائب رئيس الوزراء التركي، ويسي كايناك، أنّ أنقرة اقترحت إقامة بعثة مهمتها مراقبة وقف إطلاق النار في محافظة إدلب، خلال لقاءات أستانة، في العاصمة الكازاخية، والتي انتهت باتفاق كل من تركيا وروسيا وإيران على مناطق "تخفيف التصعيد" في مناطق سيطرة المعارضة السورية. وقال كايناك، خلال زيارة قام بها إلى البوسنة، إنّ "تواجد القوات التركية في محافظة إدلب شمالي سورية، سيساعد في حماية الحدود"، بينما كان العمل على تحديد خرائط مناطق "تخفيف التصعيد" سيستمر لحين الوصول إلى القرار النهائي.