"تهريب النفط" حول العالم .. دول منتفعة وعصابات تنتعش

03 ابريل 2014
سلطات ليبيا تنتظر تسلم ناقلة مهربة(فرانس برس ـ getty)
+ الخط -
"تهريب النفط"، لم يعد هذا المصطلح كافياً ليسع ما تحمله تلك الظاهرة من تعقيدات تتخطى حدود الرقعة التي تجري عليها، فباتت سوقاً لا ينتفع من ورائه المخالفون والمهربون في بلدانهم وحسب، وإنما تجد فيه بعض الشركات أو الدول التي تستورد النفط بكميات كبيرة وتحرر سعره وفقاً للعرض والطلب بالسوق العالمي، ضالتها كونه أقل كلفة.

ولم تكن ناقلة النفط "مورينج جلوري"، التي حملت نفطاً مهرباً من ميناء سدرة شرقي ليبيا الشهر الماضى، حالة وحسب، وإنما حملت تلك القضية في طياتها مخاوف ما كان لها أن تتبدد طالما بقيت التوترات القائمة في دول "أوبك"، بشأن تهريب النفط، وما له من آثار سلبية على الدول محل النزاعات، أو تلك التي يعتمد قوام اقتصادها على النفط كرافد رئيس للخزانة العامة.

ومن شأن استقامة الأوضاع في منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك" التي تضم اثنتي عشرة دولة، إعادة توزيع الحصص السوقية بما يحقق عدالة تسويق المنتج للأعضاء، ويحافظ في ذات الوقت على أسعار النفط التفضيلية (أعلى من 100 دولار للبرميل) عبر الموازنة بين العرض والطلب، خصوصاً في ظل توقعات بارتفاع الإنتاج بالدول من خارج أوبك، واستقرار الطلب العالمي عند 92 ألف برميل خلال العام الجاري 2014، وفق تقديرات وكالة الطاقة الدولية.

وأبقت "أوبك" في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على سقف إنتاجها عند 30 مليون برميل يومياً تعادل نحو 33% من الإنتاج العالمي في 2014، لكن خبراء يتوقعون أن تخفض المنظمة من سقف الإنتاج قليلا بحلول النصف الثاني من العام، بفعل تباطؤ النمو في أوروبا ومخاوف بشأن النمو في الولايات المتحدة أكبر مستهلكي النفط في العالم.

تهريب النفط في ليبيا

قبل أيام، انشغل العالم بحدث شبه تقليدي في ليبيا، بفضل الزخم الإعلامي الذي أثار فضوله، غموض بشأن ملكية الناقلة التي رفعت علم كوريا الشمالية، وحمل تحدياً صريحاً وتصعيداً أكثر وضوحاً بين الحكومة وميليشيات مسلحة تسيطر على ثلاث موانئ نفط في شرق البلاد وتبيع النفط لحسابها.

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يتعرض لها النفط الليبي للتهريب، ففي الحادي والعشرين من أغسطس/ آب الماضي، قال الناطق الرسمي للقوات البحرية بالجيش الليبي، العقيد أيوب بلقاسم، إن قوات حرس السواحل تمكنت من طرد ناقلة نفط مشبوهة كانت قد دخلت المياه الإقليمية قبالة الموانئ النفطية شرقي ليبيا.

وقالت القوات البحرية الليبية، في الشهر ذاته، إن وحداتها شرعت في القيام بعمليات ودوريات مسح واستطلاع للمنطقة البحرية قبالة موانئ نفطية ليبية هي، " السدرة، رأس لانوف، البريقة"، وذلك في إطار مساع حكومية لمنع تهريب النفط.

وفي الثاني عشر من مارس/ آذار الماضي ، قال مسؤول ليبي إن بلاده ترصد ناقلة نفط آتية من فنزويلا تسعى إلى تحميل البترول من ليبيا بطريقة غير شرعية، مثلما فعلت ناقلة "مورينج جلوري" التي حملت شحنة كبيرة تصل إلى 400 ألف برميل، وهربت إلى المياه الدولية قبل أن تسيطر عليها قوات أميركية وتردّها إلى طرابلس قبل أيام.

ولعل الشحنة التي قامت بتحميلها "مورينج جلوري" تشير بتقريب واقعي، إلى حجم الكميات التي يجري تهريبها من النفط في شرقي ليبيا الغني بالذهب الأسود، إذ ذهب مراقبون إلى أن كميات النفط التي تهربها الميليشيات تصل إلى حدود 100 ألف برميل يومياً.

ولو لم تجد تلك الميليشيات من يوافقها المخالفة ويقوم بشراء النفط المهرب، لما دامت احتجاجاتها ضد النظام الذي ابتلي بقبضة أمنية هشة منذ سقوط الديكتاتور معمر القذافي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، ما أثار موجة من التساؤلات حول المستفيد من دعم هؤلاء المسلحين، وبالتالي التوترات في ليبيا.

ولا تبدو ثمة حلول في الأفق القريب في ما يتعلق بتهريب النفط من شرقي ليبيا، حيث قال عبد ربه البرعصي رئيس المكتب التنفيذي لحركة مجلس إقليم برقة في شرقي ليبيا، في تصريحات له بنهاية مارس/آذار، إن الحركة ستثبت مستقبلا أنها قادرة على حماية أي ناقلة تشتري النفط من موانئها.

وقال "إذا كان العالم لا يعترف إلا بالقوة فنحن سنسعى لتقوية أنفسنا والتحالف مع أي قوى من شأنها أن تقوينا"، في رسالة تصعيدية ضد الحكومة المدعومة من الغرب.

وتراجع إنتاج ليبيا من النفط حالياً إلى ما دون الـ 250 ألف برميل يومياً، مقابل 1.4 مليون برميل يومياً في يوليو/ تموز الماضي.

العراق
يعاني العراق، منذ سنوات، "مافيا محلية" تقوم بعمليات تهريب منظمة للنفط الأسود من بلدة بلدروز إلى أفغانستان عبر إيران، نتيجة ضلوع عشرات المعامل المختصة بإنتاج الطابوق (البلوك أو الطوب الإسمنتي) في عمليات التهريب المنظمة، وفق مسؤولين.

وقال عضو مجلس ادارة بلدة بلدروز العراقية المحاذية للحدود الإيرانية عقيل العتبي، في تصريحات صحافية مؤخراً، إن 70 معملا لإنتاج الطابوق من أصل 100 معمل تقوم بعمليات التهريب للنفط الأسود.

وتنتشر أغلب معامل الطابوق في ديالى ببلدة بلدروز الواقعة على بعد 35 كيلو متراً شرق بعقوبة محافظة ديالى.

وأوضح العتبي أن وزارة النفط تزود معامل الطابوق شهريا بمادة النفط الأسود، إلا أن 70% منها متوقفة عن العمل، ولا تنتج الطابوق بسبب تهريب النفط الأسود، عبر مدينة مندلي (شرق محافظة ديالى) إلى الحدود الايرانية، ومنها إلى أفغانستان وبدعم من بعض المسؤولين.

وتقول السلطات الأمنية في ديالى إنها تمكنت من إحباط عدة عمليات لتهريب النفط خارج البلاد خلال الفترات الماضية، فيما يؤكد مختصون أن عمليات تهريب النفط خارج المحافظة تقف وراءها مافيات متخصصة.

وأقر نائب رئيس مجلس بلدة مندلي الحدودية مع إيران (95 كلم شرق بعقوبة) رائد الحميري، والتابعة لبلدروز بحصول عمليات تهريب منظمة للنفط الأسود من مناطق ديالى باتجاه مندلي ومن ثم الى خارج البلاد.

وأشار إلى أن السلطات الأمنية اعتقلت خلال الفترات الماضية عدداً كبيراً من مهربي النفط وصادرت سياراتهم وصهاريجهم التي تنقل النفط واحيلوا الى الجهات القضائية وفقاً للقانون العراقي.

وقال "لا يمكن السيطرة على عمليات تهريب النفط إلا بتطويع عناصر أمنية واستخبارية مختصة، لتقصي عمليات التهريب، إلى جانب ضرورة تعزيز نقاط التفتيش في الطرق الخارجية والدولية المؤدية إلى الحدود الايرانية".

وقالت شرطة ديالى الأسبوع الماضي، إن الأجهزة الأمنية نجحت في إسقاط مافيات خطيرة كانت تقود عمليات التهريب بهدف الإضرار، وتهديد اقتصاد البلاد، إضافة إلى أن جزءاً من أرباح عمليات التهريب كان يدعم أعمال العنف لأن الإرباك الأمني كان يوفر اجواءً لتنامي تجارة التهريب.

ولم يكشف المسؤولون في العراق عن حجم النفط الذي يجري تهريبه عبر إيران، لكن يبدو أن الحكومة المركزية تنشغل أكثر بقضية بيع إقليم شمال العراق النفط منفرداً، وهو ما تعتبره بغداد "تهريباً للنفط" يقتضي مقاضاة الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي ومن يتعاون معه في هذا الشأن سواء كان دولاً أو شركات.

وتقول بغداد إن "تهريب" إقليم كردستان للنفط، يضعها في مأزق مالي كبير، إذ بُنيت الموازنة العام للعام الجاري 2014 بعجز يصل إلى 18 مليار دولار، رغم أن تقديراتها تتضمن إيرادات مالية من توريد 400 ألف برميل يومياً من نفط شمال العراق، ما يعني أن توقف هذه الإيرادات يهدد الموقف المالي لثاني أكبر المنتجين في أوبك إلى حدود بعيدة.

نيجيريا

بدأت قضية سرقة النفط النيجيري في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حينما كانت نيجيريا يحكمها العسكر، حيث اشترك في هذه السرقة كبار الضباط ونافذون في الحكومة النيجيرية وشبكة من التجار اليونانيين واللبنانيين.

وتواصل عصابات نيجيرية منظمة منذ عقود سرقة أموال النفط النيجيري وسرقة النفط الخام النيجيري حسب دراسة المعهد الملكي البريطاني للشؤون الخارجية " تشاتهام هاوس" في لندن.

وفي العام 2000 اعتقلت الحكومة النيجيرية مجموعة من الضباط بتهمة سرقة النفط وخضعوا لتحقيقات طويلة ولكن لاحقاً أطلق سراحهم دون محاكمة.

وحسب الدراسة التي نشرها المعهد البريطاني فإن سرقة النفط في نيجيريا لا تقتصر على سرقة الخامات من الحقول مباشرة ولكنها كذلك تمتد الى سرقة النفط من الانابيب الناقلة للخامات ومن شركة النفط النيجيرية.

وتقدر مجلة "إيكونوميست" البريطانية كمية النفط التي تُسرق من حقول النفط بأكثر من 300 ألف برميل يومياً، لكن الجهات الرسمية في نيجيريا تقدرها بحوالى 100 ألف برميل يومياً.

وتقدّر الحكومة النيجيرية قيمة النفط المسروق سنوياً بحوالى 8 مليارات دولار في العام، لكن جهات مثل منظمة الشفافية الدولية تقدر قيمة النفط المسروق بشكل مباشر وغير مباشر من نيجيريا بحوالى 20 مليار دولار.

وتتخصص العصابات النيجيرية في تبييض هذه الأموال في عواصم المال العالمية مثل نيويورك وجنيف ولندن.

ودعت منظمة الشفافية الدولية الحكومة النيجيرية، أوائل مارس/ آذار الجاري، إلى وضع إجراءات عقابية صارمة ضد عصابات الفساد وسرقة النفط النيجيري في قانون النفط الجديد الذي تعكف الحكومة على دراسته حالياً.

المساهمون