"بذاءة" الحقيقة: العراق كما يراه ترامب

18 يوليو 2015

دونالد ترامب: لو فزت سأستهدف حقول نفط في العراق

+ الخط -
لا يبدو المرشح للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، في وارد التراجع عن تصريحات سابقة بشأن العراق، فهو أعاد موقفه الداعي إلى تدمير الحقول النفطية بذريعة محاربة "داعش" الذي استولى عليها، وباتت مصدرا ماليا مهما للتنظيم، معتبرا أن الأمر لا يحتاج أخذ موقف بغداد بعين الاعتبار، فالرجل كان واضحا: ليس هناك شيء اسمه العراق، بل مجموعات متقاتلة، لا يجمعها شيء سوى الفساد والانتقام! 
ومع أن هذه التصريحات تبدو فظة، بل فجة وتقارب البذاءة، لاسيما في جواب ملياردير العقارات الشهير، على تعليق يرى في دعوته إلى استهداف الحقول النفطية استهدافاً لثروات العراق، حين يقول: "لا يوجد عراق، ولا يوجد عراقيون، فهم انقسموا إلى طوائف عديدة متحاربة"، إلا أنها أيضا، وبشيء من "برودة" النظرة المجردة، تقارب الحقيقة التي لا يريد أحد تصديقها، لكنها تظل حقيقة، فالعراقيون اليوم حقا منقسمون، وحقاً صاروا مجموعات متصارعة على السلطة والنفوذ، وحقاً لا يجمعهم شيء محدد، مثلما يجمعهم سياق من الفساد المالي والإداري الذي، لفرط عمق تأثيره، صار فساداً فكرياً وإنسانياً.
إن صورة العراق، الآن، والتي يقصدها ترامب، تنتمي فعلياً إلى "البذاءة"، بمعنى أن لا وجود لعراق موحد حقيقي، فأسوأ الشيعة يمسكون بالحكم، مثلما يشترك معهم في السلطة أسوأ السنة، بينما معول الكرد عميق ومؤثر في هدم كل ما يتصل بالوطنية العراقية، ويتحول أي مفصل مهم في البلاد، عند هذا الثلاثي، إلى سباق مسعور في البذاءة التي يعنيها دفع العراق إلى هاويات المصير الدموي، حد أن الجميع نجح في "استثمار" التهديد الجدي الذي يعنيه تنظيم "داعش"، فالشيعة أنهوا الدولة لصالح المليشيات، والسنة المشاركون في السلطة أخرجوا مخططات الإقليم إلى العلن، وبدأوا في الاتصال بالشركات الإقليمية والدولية الكبرى، استعداداً للتقسيم الذي سبقهم إليه الكرد، حين وجدوا في "داعش" فرصة ذهبية في حسم مصير كركوك، وإنهاء قصة المناطق المتنازع عليها، وبناء الحدود النهائية لدولة "جنوب كردستان" الوشيكة.

صحيح أن هناك أصواتاً أميركية تشعر بالقلق من تصريحات المرشح لانتخابات الرئاسة عن العراق، والطريقة التي يرى فيها ضمان إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، لكن مجرد أن يذهب ذلك القلق إلى أن "العراق موجود رغم الانقسامات السياسية والإثنية، وأنه يتوجب فهم ما يجري فيه بشكل أفضل، قبل التوصل إلى قرار بتفجير منشآت حيوية، وإن هناك مئات آلاف العراقيين الذين يؤمنون بأن لهم دولة"، يبدو كلاماً فضفاضاً لا معنى حقيقيا له على الأرض، لجهة أن الموقف الأميركي من العراق الذي صنعته واشنطن، وتحديداً إدارة الرئيس السابق جورج بوش، سمح، أولاً، بتحويل العراق من دولة مواطنين إلى دولة مكونات، ولاحقاً مجموعات إثنية ومذهبية متصارعة، حد السقوط في المستنقع الرهيب الحالي: خليط الدم والمال الفاسد، وغض النظر، بتخطيط أم بدونه، عن كل الانتهاكات العريضة التي أقدمت عليها السلطات العراقية التي ظلت دائماً "فخورة" بأنها تحظى بدعم أميركي ودولي واسع.
وفي حين يبدو مثيراً للعجب، بل السخرية، تردد إدارة الرئيس أوباما أحياناً، وعجزها في أخرى، عن "إنقاذ" العراق الذي صنعته واشنطن، فإن موقف "الأقوياء الحاكمين" في بغداد، وهم على الأغلب من خارج الدولة ودستوريتها، في سخريتهم من واشنطن وعجزها عن دحر "داعش"، وتأكيدهم على أنهم كزعماء لـ"الحشد الشعبي"، وبدعم "الجمهورية الإسلامية"، قادرون على ما "عجزت" عنه الدولة الأقوى في العالم، لا يثير السخرية وحسب، بل هو نتاج سياسة "البذاءة" التي باتت تميز السياسة العراقية منذ عقود، أكانت تلك التي كان ينتجها نظام صدام أم التي أنتجها نظام معارضيه، فأولئك الساخرون من واشنطن، في استعراض سطحي للقوى، يعرفون تماماً أنه لولا الغزو الأميركي الذي أسقط نظام صدام حسين، ما كانوا سيحلمون يوماً ما بتحقيق عشر ما وصلوا إليه، وظلوا بالكاد سدنة يخدمون في كواليس نظامي طهران ودمشق، أو يعيشون على معونات الرعاية الاجتماعية في دول اللجوء الغربية.
"البذاءة" التي تعنيها تصريحات ترامب بقوله "لو فزت سأستهدف تلك الحقول النفطية التي يسيطر عليها داعش، الواحد تلو الآخر، فهم يستخرجون أموالاً طائلة منها.. ثم سأرجع لأكبر خمس شركات نفطية في أميركا، والتي ستتمكن من إعادة تأهيل هذه الحقول بسرعة عالية"، لا تدانيها غير بذاءة عراقية، هي من نتاج سلطة الطوائف ودولة المكونات التي صنعتها إدارة في البيت الأبيض لا تبدو مختلفة كثيراً عن التي ستدير المقر الرئاسي الأميركي، في حال فوز ترامب، الذي ليس من باب السخرية إطلاق عنوان على فوزه:" ملياردير العقارات يضيف البيت الأبيض إلى ممتلكاته".

4288D824-F473-42F2-986D-4BC9EB1CF58B
علي عبد الأمير

كاتب وصحافي عراقي مقيم في واشنطن