"النهضة العربية الأرثودكسية": نضال من أجل التعريب

15 ديسمبر 2016
(كنيسة القيامة في القدس)
+ الخط -
لم يكن اشتغاله على التاريخ هامشياً، إذ إن أكثر من ستة عقود أمضاها رؤوف أبو جابر، رجل الأعمال والاقتصادي الأردني البارز، في الصناعة والتجارة كان يوازيها بحث جاد ومحموم حول نشأة المسيحية في منطقة بلاد الشام ودور المسيحيين العرب في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وتحديداً في القرنين الأخيرين.

في كتابه "النهضة العربية الأرثودكسية" (2016)، يتناول أبو جابر بالوثائق والسجلات التاريخية بدايات النهضة العربية الأرثودكسية بعد حملة إبراهيم باشا على الشام عام 1831، كما يُقدّم ترجمة لأبرز شخصياتها التي ساهمت في تشكيل النهوض الفكري والسياسي في المنطقة منذ أوائل القرن العشرين.

تؤرّخ الدراسة للمؤتمرات التي انعقدت في الأردن وفلسطين منذ عشرينيات القرن الماضي والتي كانت طليعة النضال الأرثودكسي المستمر منذ قرون من أجل تعريب البطريركية المقدسية، وصولاً إلى "المؤتمر الأرثودوكسي الخامس" الذي انعقد في عمّان عام 1992.

العمل يتّصل بكتاب أبو جابر الذي صدر عام 2012 بعنوان "المسيحية العربية والقدس"، الذي يستند فيه على عشرات المصادر التي تعرض التاريخ الاجتماعي للمسيحيين المقدسيين، وكذلك إلى كتب الرحّالة المستشرقين، ومنهم الفرنسي قسطنطين فرانسوا فولني الذي زار كلاً من مصر وسورية خلال الأعوام من 1783 إلى 1785، وأفرد فيه فصلاً عن زيارته إلى القدس والصراعات داخل البطريركية الأرثودكسية فيها.

ينتقل المؤرّخ في فصول تالية من الكتاب نفسه إلى أوضاع فلسطين عشية حملة إبراهيم باشا على بلاد الشام وفرض حكمه على القدس عشر سنوات متتالية ويعقد مقارنات بين ما تميّز به عهده من تسامح مع المسيحيين وبين ما اعتادوه خلال العهد العثماني، معتمداً على يوميات الرهبان في ذلك الوقت التي أوردت تفاصيل ما جرى عقب الزلزال الذي ضرب الأراضي المقدّسة عام 1834 وما تسبّب به من أضرارا بالغة لم تنج منه الأماكن الدينية، وعن انتشار الطاعون والكوليرا على إثره.

ينتهي أبو جابر في الكتابين عند التنافس بين الإرساليات التبشرية الكاثوليكية والبروتستنتية التي قدِمت من الغرب، وما نتج من خلافات داخل الطائفة الأرثودكسية نتيجة تغيير بعض أفرادها مذهبهم، وعن علاقة هذه البعثات بالسلطنة العثمانية، متتبّعاً كذلك دور القيادات اليونانية داخل البطريركية في تكريس الانقسامات والتشرذم بين رعاياها.


المساهمون