12 نوفمبر 2024
"المُحافظ"، لنادين غورديمر
هل يعقل لروايات مُسيَّسة، وذات نزعة نضالية واضحة، أن تكون من أمهات الكتب، ومن أروعها؟ قد لا يكون الردّ في العادة بديهياً، إلا في حالاتٍ نادرة، كما هي الحال مع أعمال الكاتبة الجنوب - أفريقية، نادين غورديمر، التي حصدت جوائز أدبية عالمية رفيعة، انتهاء بجائزة نوبل للآداب التي نالتها عام 1991 "مكافأة لعملها الملحميّ الذي أدّى للبشرية خدمات جليلة".
كتبت غورديمر، التي كانت تصرّ على تعريف نفسها أديبةً "جنوب أفريقية بيضاء، وليست بيضاء جنوب أفريقية"، 13 رواية ونحو مائتي قصة قصيرة وعشرة بحوث، وعُرفت بوقوفها إلى جانب نيلسون مانديلا، وبنضالها ضد نظام التمييز العنصري الذي كان ساريا في بلدها آنذاك، وهو ما تطرقت إليه في معظم أعمالها الأدبية، ومن بينها رواية "المحافظ" التي نالت عنها جائزة مان بوكر للعام 1974.
بطل هذي الرواية هو ميرنغ، رجل الأعمال الثري والأبيض من أصل ألماني، الذي اقتنى مزرعة في فترة الأبارتايد، بهدف السلوى وقضاء أوقاتٍ ممتعة، بدليل أنه ما كان في البداية يزورها إلا أيام الآحاد، نظرا لانشغاله بمهام أخرى تدرّ عليه المال. تبعد المزرعة 40 كلم عن جوهانسبورغ، وفيها يستقبل أصدقاءه البيض وعشيقته، قبل أن يباشر تحوّله، وتزداد وحدته، فيروح يتردّد أكثر فأكثر على المزرعة، حيث يعيش جاكوبوس، رئيس العمّال والمزارعين.
تبدأ الرواية مع اكتشاف جثّة رجل أسود مجهول الهوية في المزرعة، فيتمّ استدعاء الشرطة، لكي تحقّق في الحادثة، وتقوم بدورها الاعتيادي. وبما أن لون بشرة القتيل هو ما يحدّد درجة اكتراث عناصر الشرطة به، إذ بالأخيرة تأمر بدفنه، حيث وجد، من دون السعي إلى معرفة هويته، أو الاهتمام بالكشف عن ملابسات وفاته. في هذا الإطار، سوف نكتشف ميرنغ محافظاً إجمالاً، كما يشير إليه عنوان الرواية، ومن مناصري نظام التمييز العنصري طبعا، من غير أن يعني ذلك أن نادين غورديمر ترى الأمور بالأبيض والأسود، فهي تُظهر بطلها بكل جوانبه، القاتمة والمنيرة على السواء، من دون أن تُصدر حكما أخلاقيا بحقه، على الرغم من أن الرواية، كما حال كامل أعمالها، تدور حول موضوعة الأخلاق وامتلاك ضمير إنساني أم لا، في مواجهة التعسّف والظلم. شيئا فشيئا، تتضح لنا ملامح البطل ميرنغ، وقد ابتعد عنه ابنُه الهيبّي، مناصر السلام والإخاء بين البشر، والمثليّ ربما بشكل غامض، وهجرته عشيقته "اليسارية" التي تناضل ضد نظام الأبارتايد.
والبارع والملفت في رواية "المحافظ" أن غورديمر لا تسمّي أبدا نظام التمييز العنصري طوال الرواية، بل تُغرق في وصف أحواله وطقوسه وإجراءاته التعسفية التي تتيح للبيض التنقل والتصرّف والعيش بحرية، فيما تضيّق على السود، فتفرض عليهم مثلا امتلاك "إذن" إذا ما أرادوا التنقّل، أو العيش داخل "كانتون" خاص بهم،.. إلخ. كما أنها تتعاطى بموضوعيةٍ مع شخصيتها الرئيسة، مظهرة تصرّفاتها الودودة حيال الآخرين، بمن فيهم السود الذين يعملون في المزرعة، وبالتحديد جاكوبوس، رئيس العمّال والمزارعين، بحيث يتعاطف القارئ مع البطل، حتى لينسى تقريبا عنصريته ووقوفه في الخندق الآخر، أي خندق المستفيدين من الوضع السياسي السيئ في البلاد، ومن الظلم الفظيع الواقع بحق أهلها السود.
وكما تعامِلُ غورديمر بطلها متّهمة إياه باستغلال الأوضاع، نراها تنتقد أيضا سلوك من يعتقدون أنهم على صواب ومواقفهم، فإذا بها تصف عشيقة ميرينغ بشكل ساخر، جاعلة إياها تغادر البلاد، ما أن تشكّل أنشطتُها المخرّبة خطرا على حياتها، وتصوّر السود من دون مجاملة أو تعمية، فتُظهرهم جاهلين، متّسخين، بفعل ظروف عيشهم البائسة.
في نهاية الرواية، يُخرج فيضانٌ الجثّة من تحت التراب حيث دُفنت، فيقوم عمّال ميرنغ بدفنها مجددا، هذه المرّة من خلال إقامة طقوس جنازة حقيقية، باعتبار أن الميت "منهم"، ولو بقيت هويته وأسباب موته مجهولةً تماماً.
بطل هذي الرواية هو ميرنغ، رجل الأعمال الثري والأبيض من أصل ألماني، الذي اقتنى مزرعة في فترة الأبارتايد، بهدف السلوى وقضاء أوقاتٍ ممتعة، بدليل أنه ما كان في البداية يزورها إلا أيام الآحاد، نظرا لانشغاله بمهام أخرى تدرّ عليه المال. تبعد المزرعة 40 كلم عن جوهانسبورغ، وفيها يستقبل أصدقاءه البيض وعشيقته، قبل أن يباشر تحوّله، وتزداد وحدته، فيروح يتردّد أكثر فأكثر على المزرعة، حيث يعيش جاكوبوس، رئيس العمّال والمزارعين.
تبدأ الرواية مع اكتشاف جثّة رجل أسود مجهول الهوية في المزرعة، فيتمّ استدعاء الشرطة، لكي تحقّق في الحادثة، وتقوم بدورها الاعتيادي. وبما أن لون بشرة القتيل هو ما يحدّد درجة اكتراث عناصر الشرطة به، إذ بالأخيرة تأمر بدفنه، حيث وجد، من دون السعي إلى معرفة هويته، أو الاهتمام بالكشف عن ملابسات وفاته. في هذا الإطار، سوف نكتشف ميرنغ محافظاً إجمالاً، كما يشير إليه عنوان الرواية، ومن مناصري نظام التمييز العنصري طبعا، من غير أن يعني ذلك أن نادين غورديمر ترى الأمور بالأبيض والأسود، فهي تُظهر بطلها بكل جوانبه، القاتمة والمنيرة على السواء، من دون أن تُصدر حكما أخلاقيا بحقه، على الرغم من أن الرواية، كما حال كامل أعمالها، تدور حول موضوعة الأخلاق وامتلاك ضمير إنساني أم لا، في مواجهة التعسّف والظلم. شيئا فشيئا، تتضح لنا ملامح البطل ميرنغ، وقد ابتعد عنه ابنُه الهيبّي، مناصر السلام والإخاء بين البشر، والمثليّ ربما بشكل غامض، وهجرته عشيقته "اليسارية" التي تناضل ضد نظام الأبارتايد.
والبارع والملفت في رواية "المحافظ" أن غورديمر لا تسمّي أبدا نظام التمييز العنصري طوال الرواية، بل تُغرق في وصف أحواله وطقوسه وإجراءاته التعسفية التي تتيح للبيض التنقل والتصرّف والعيش بحرية، فيما تضيّق على السود، فتفرض عليهم مثلا امتلاك "إذن" إذا ما أرادوا التنقّل، أو العيش داخل "كانتون" خاص بهم،.. إلخ. كما أنها تتعاطى بموضوعيةٍ مع شخصيتها الرئيسة، مظهرة تصرّفاتها الودودة حيال الآخرين، بمن فيهم السود الذين يعملون في المزرعة، وبالتحديد جاكوبوس، رئيس العمّال والمزارعين، بحيث يتعاطف القارئ مع البطل، حتى لينسى تقريبا عنصريته ووقوفه في الخندق الآخر، أي خندق المستفيدين من الوضع السياسي السيئ في البلاد، ومن الظلم الفظيع الواقع بحق أهلها السود.
وكما تعامِلُ غورديمر بطلها متّهمة إياه باستغلال الأوضاع، نراها تنتقد أيضا سلوك من يعتقدون أنهم على صواب ومواقفهم، فإذا بها تصف عشيقة ميرينغ بشكل ساخر، جاعلة إياها تغادر البلاد، ما أن تشكّل أنشطتُها المخرّبة خطرا على حياتها، وتصوّر السود من دون مجاملة أو تعمية، فتُظهرهم جاهلين، متّسخين، بفعل ظروف عيشهم البائسة.
في نهاية الرواية، يُخرج فيضانٌ الجثّة من تحت التراب حيث دُفنت، فيقوم عمّال ميرنغ بدفنها مجددا، هذه المرّة من خلال إقامة طقوس جنازة حقيقية، باعتبار أن الميت "منهم"، ولو بقيت هويته وأسباب موته مجهولةً تماماً.