في 15 تموز/ يوليو الجاري، أصدرت وزارة الشؤون المحلّية في تونس مرسوماً تقرّر بموجبه إنهاء العمل بما يُعرف بـ"قانون أسماء المواليد الجدد"، وهو نصّ صدر في عام 1965 ويفرض أن تكون أسماء المواليد الجدد عربية. قرار الإلغاء هذا لم يأت بعد مطالبة مباشرة بإسقاطه، على الرغم من أن حوادث متفرّقة بعدم قبول تسجيل مواليد أراد آباؤهم أن يمنحوهم أسماء أمازيغية أو قرطاجنية كانت تفتح سجالات الهوية في تونس وطرح موضوع تدخّل الدولة في مسألة شخصية تتعلّق بالهوية العرقية والمذهبية.
أتى قرار الإلغاء من دون ضجة وهو ما يعني أن القانون السابق لم يكن يعبّر عن توجّه اجتماعى، وإنما هو خيار فوقيّ من الدولة قد تفسّره مرحلة ما بعد الاستعمار، وإن كان من الجدير الإشارة إلى أن النظام التونسي وقتها كان ذا نزعة تغريبية أكثر من محاولته تأصيل الهوية العربية الإسلامية. فما الذي يفسّر هذا التناقض؟
صدر قرار تعريب الأسماء في تونس ضمن رؤية الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة ببناء الجمهورية الحديثة على نمط الدولة-الأمة الذي يفترض توحيد المكوّنات الاجتماعية وصهرها في بوتقة واحدة، وهو ما يتماشى مع خيار فرض نظام الحزب الواحد منذ بداية الستينيات. ولما كانت الأغلبية في تونس ذات أسماء عربية جرى الاستقرار على فكرة "قانون أسماء المواليد الجدد" لإنتاج أجيال أكثر تجانساً خصوصاً في مناطق يقل فيها حضور الدولة مثل الجنوب والوسط الغربي حيث كانت تنتشر العديد من الأسماء ذات المرجعية الأمازيغية.
يعيد مرسوم 2020 حقاً بسيطاً لاختيار الوالدين أسماء أبنائهم
بقوة السلطة التنفيذية، جرى فرض القانون ولم يبرز مطلب إسقاطه إلا بعد ثورة 2011، حيث أثيرت مسألة قمع الأقليات والنزعة التدخّلية للدولة. يذكر هنا أنه في بداية 2020، جرى التأكيد على مضمون قانون 1965 وتعليقه بشكل ظاهر في عدة دوائر بلدية وهو ما كان يشير إلى تشدّد من قبل النظام في شأنه.
على مستوى آخر، من الجدير التنبيه إلى أن القانون لم يكن يطبّق بشكل حَرفي حيث تنتشر في تونس أسماء غير عربية مثل حنبعل وعليسة وسقراط وماجدولين ومارسيل، إذ يكفي أن يغضّ موظف تسجيل المواليد الطرف حتى تمر هذه الأسماء والتي كانت تعتمدها غالباً أُسر من نخب المدن الكبرى. غير أن موظّفاً آخر يمكنه استدعاء قانون 1965 وقتما يشاء فيرفض أسماء مثل رستم ويارا وجلنار، وهو ما أنتج انتشار أسماء في الإطار العائلي فيما يحمل أصحابها على بطاقات الهوية أسماء أخرى.
هكذا يعيد مرسوم 2020 حقاً بسيطاً لاختيار الوالدين أسماء أبنائهم، غير أن خطاب الدولة لا يُظهر أنه قد استند إلى الجدل الاجتماعي ومنطق الحقوق المدنية بقدر تشديده على أن هذه الخطوة تأتي ضمن التماشي مع "دستور 2014" والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس، وهو ما يشير إلى خلل يفترض من خلاله العقل السياسي أن القرارات الفوقية هي التي تحلّ الإشكاليات، في حين كان أولى الاعتراف بدور المجتمع وتطوّره، فحتى لو لم تتماش الخطوة الجديدة مع "دستور 2014" كان ينبغي إسقاط قانون يريد أن يفرض على الناس أسماءهم.