لا تزال قضيتا إقامة منطقة آمنة في شمال شرقي سورية، ومصير إدلب ومحيطها في شمال غربي البلاد، محور الحراك الأبرز في الملف السوري؛ ففيما تواصل أنقرة ضغطها لإقامة المنطقة الآمنة بهدف تبديد مخاوفها من تشكيل إقليم ذي صبغة كردية على حدودها، وسط تضارب المعلومات عن تحضيرها لعملية هناك، فإن مصير إدلب ومحيطها لا يزال محور نقاش مع مساعٍ من أنقرة لإرساء قواعد اتفاق لوقف إطلاق النار طويل الأمد، حتى التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يضم محافظة إدلب ومحيطها اللذين يحويان نحو 4 ملايين مدني.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأول الثلاثاء، إن بلاده لم يعد بمقدورها الانتظار ولو ليوم واحد حيال تشكيل منطقة آمنة في شرقي الفرات. ونقلت وكالة "الأناضول" عن أردوغان قوله في كلمة ألقاها خلال مشاركته في افتتاح السنة التشريعية الجديدة في البرلمان التركي في أنقرة، إن "تركيا تهدف لإسكان مليوني سوري في المنطقة الآمنة المزمع تشكيلها على عمق 30 كيلومتراً في شمال شرق سورية، وبلغ عدد السوريين العائدين إلى المناطق التي وفّرنا أمنها حتى الآن 360 ألفاً، والسبب الوحيد لوجودنا في سورية هو التهديدات الإرهابية ضد حدودنا وتحوّلها إلى حاجز يمنع عودة السوريين الموجودين في بلدنا".
من جهته، أشار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الأربعاء، إلى أن تركيا بدأت مع الولايات المتحدة بتسيير دوريات برية وطلعات جوية في المنطقة، وأن الجانبين يعملان من أجل تأسيس قواعد. ولفت إلى أن بلاده ستواصل المفاوضات والجهود المشتركة (لتأسيس المنطقة الآمنة) طالما أنها متناسبة مع أهدافها وغاياتها. وأضاف: "تنتهي هذه الجهود في حال حصول مماطلة، ونحن عازمون للغاية في هذا الصدد".
وفي السياق، أعلن الكرملين أمس الأربعاء أن موسكو تراقب الوضع عن كثب بعد تلميح أردوغان إلى أن بلاده قد تتحرك بمفردها لإقامة المنطقة الآمنة. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين في موسكو، إن من حق تركيا الدفاع عن نفسها لكن يجب الحفاظ على وحدة أراضي سورية.
ومع حديث أردوغان هذا، تضاربت الأنباء حول إمكان حصول تحرك عسكري تركي، ففيما قال مصدر إعلامي مقرب من الجيش التركي لـ"العربي الجديد"، إن عملية عسكرية تركية بضوء أخضر أميركي "قد تبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة، وستشمل المنطقة الواقعة بين تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، وشرق رأس العين في ريف الحسكة أقصى الشمال الشرقي من سورية بعمق خمسة كيلومترات"، فإن مصادر في الخارجية التركية أكدت لـ"العربي الجديد" أن الحديث عن عملية عسكرية شرقي الفرات غير واقعي، وأقصى ما يمكن عمله هو تقدّم في ريف تل أبيض بشكل محدود. وتهدف تركيا إلى إعادة نحو مليوني لاجئ سوري إلى منطقة شرقي نهر الفرات في أراضيها، في حين تعارض "الإدارة الذاتية" الكردية عودة أي سوري من خارج شرقي الفرات إلى المنطقة.
الأمر نفسه تحدث عنه القيادي في الجيش السوري الحر العميد فاتح حسون، الذي نفى الأنباء عن هدنة طويلة المدى في شمال غربي سورية، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "القوات المعتدية الروسية والإيرانية ومليشيات النظام ما زالت تقصف القرى والبلدات، وتحشد على محاور محددة، وتحاول استنزاف القوى المدافعة عن منطقة الكبينة في الساحل". ومضى بالقول: "لكن يبدو أن قرار الحرب في المنطقة بالنسبة لروسيا قد تم ترحيله لما بعد نتائج اجتماع القمة الرباعية في تركيا الذي سيضم إضافة لتركيا وروسيا كلا من فرنسا وألمانيا". وأعرب عن اعتقاده بأن روسيا "تحاول أن تضغط سياسياً على الاتحاد الأوروبي لتحصيل بعض أموال إعادة الإعمار، وإن لم تنجح في ذلك من خلال القمة فستلجأ للضغط الميداني الذي سيسبّب مزيداً من موجات نزوح تتخوف منها دول الاتحاد الأوروبي، والتي بدأت الولايات المتحدة بالتخفيف عنها عن طريق تصعيد لهجتها ضد نظام الأسد وداعميه، في رسالة لروسيا بأن أي تحرك عسكري غير متوافق عليه في منطقة إدلب سيعود على النظام وإيران وروسيا بويلات".
على الصعيد ذاته، من المتوقع عقد جولة جديدة من مباحثات أستانة بين الثلاثي الضامن في سورية (تركيا، إيران، روسيا) خلال الشهر الحالي في العاصمة الكازاخية نور سلطان، وفق ما أعلنه منذ أيام وزير الخارجية الكازاخي مختار تلاوبردي.