في كتابه "المفهوم الفلسفي عند جيل دولوز"، يستعيد زهير قوتال تعامل صاحب "أوديب المضاد" مع مفهوم "المفهوم" ليس فقط في أعمال نظرية وضعها، بل أيضاً في اشتغالاته على أعمال مفكرين آخرين مثل سبينوزا ونيتشه وفوكو، وأيضاً لدى كتّاب وفنانين مثل كافكا وبروست.
العمل الذي صدر مؤخراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" يطرح مجموعة من الأسئلة، مثل: ما الطريقة التي توسّلها دولوز في قراءته التراث الفلسفي؟ كيف تشكل النص الدولوزي؟ ما الخيط الناظم في الكتابة الدولوزية بين الآداب والفلسفة؟ ما علاقة الفلسفة بقطاعات أخرى كالعلم والفن والأدب؟
يضم الكتاب ثلاثة فصول. الأول بعنوان "فلسفة جيل دولوز"، يعود فيه المؤلف إلى حياة صاحب "الاختلاف والتكرار" ويقدّم قراءة موسّعة في أعماله ومنها يستخلص مسار دولوز الفكري، وانتقالاته بين الفلسفة والأدب والفن. كما تناول منهجية دولوز في قراءته التراث الفلسفي وماهية الفلسفة عنده. هنا يركزّ قوتال على القطيعة الفكرية التي أرادها المفكر الفرنسي مع من سبقوه حين يشير إلى أن "دولوز اعتبر أن تاريخ الفلسفة ليس قطاعاً تأمليّاً، بل هو بالأحرى فن رسم الأشخاص".
الفصل الثاني بعنوان نظرية الإبداع عند دولوز، ويتقصى فيه المؤلف فهمَ دولوز للفنون، مشيراً إلى المكانة المميزة التي احتلتها مجالات غير فلسفية في أثره، وهو في ذلك عكس معظم من سبقوه من المتفلسفة، حيث ينطلق من قناعة بأن اللغة ليست أداة للفكر وحده، ومن خلال هذا التوجه يرى قوتال أن دولوز كان يدعو إلى تحرير اللغة من اللغة الكبرى، أي اللغة المقررة الثابتة، وبالتالي كان يرفض أن تكون هناك سلطة تجعل من اللغة لساناً أحادياً أو نظاماً منغلقاً لا تعدد فيه ولا يطاوله تغيير، فاللغة الثابتة المتجانسة في تركيبها هي لغة نهائية وثوقية لا تسمح بالإبداع ولا بالاختلاف.
أما الفصل الأخير، فهو بعنوان "نظرية المفهوم الفلسفي" وهو بحث في قراءة دولوز في طبيعة المفهوم الفلسفي ومحدداته. يقول المؤلف "إن المفهوم الفلسفي، بحسب دولوز، هو الذي يقوم بتشكيل البعد الروحي للواقع ترتيباً وتنظيماً".
يمكن اعتبار العمل دراسة موسّعة حول فكر دولوز، ولكن يمكننا أيضاً أن نعتبره تفكيراً مباشراً في قضايا الفكر المعاصر، خصوصاً في مسألة إنتاج المفاهيم، وقد تساعد هكذا دراسات، بالعربية مباشرة، في توفير مناخ عربي يسمح بهكذا إنتاج.