"المغرب/ غرب": من الاستشراق إلى الفرانكفونية

21 يوليو 2020
"نساء من الجزائر " يوجين ديلاكروا ، 1834
+ الخط -

"المغرب/ الغرب: نظرة متقاطعة" كتاب يضم أوارقاً لعدة باحثين، صدر مؤخراً عن مؤسسة "مقاربات" في الرباط، بتحرير عبد الحق زراد، ويطرح المشاركون فيه مدخلاً إلى سؤال "في ما هي الأمة"، كما تتوقف المساهمات عند أبرز المستشرقين الذين قدموا المغرب لأوروبا وبرروا استعماره. 

في المقدمة يلفت زراد إلى التناقض في مقولة المستشرق الفرنسي إرنست رينان (1832-1892) في الإجابة عن سؤال الأمة، فالكاتب رسم صورة دوغمائية للغرب والشرق كما لو أنه يبني بينهما خندقاً؛ إذ يقول "لم يشهد الشرق، ولا سيما الشرق السامي، حالة وسط بين الأناركية الكاملة للعرب البدو الرحل وبين استبداد الدم [...] كان العبرانيون القدماء والعرب في بعض الأحيان أكثر الرجال حرية، ولكن بشرط أن يكون لديك زعيم يقطع الرأس لمتعته [...] في السياسة، كما هو الحال في الشعر والدين والفلسفة، فإن واجب الشعوب الهندية الأوروبية هو البحث عن فارق بسيط، والتوفيق بين أشياء معاكسة، التعقيد التي لم تعرفها الشعوب السامية، التي كان تنظيمها يقوم دائمًا على البساطة الحزينة والقاتلة".

هكذا يميل الاستشراق إلى تحويل منطقتين جغرافيتين بسيطتين إلى مناطق ثقافية معادية غير قادرة على الحوار، مما يخلق ما يسميه جورج قرم "الكسر الوهمي"، حيث يقدم هذا الخطاب مفهومًا جغرافيًا يسمى "البعد الجيوسياسي والعاطفي".

ووفقاً لمقدمة "المغرب/غرب" فنحن نشهد ظهور أسطورة حيث تتحول الغربية إلى عقيدة هوية ضخمة وتميل إلى رفض الآخر في ما سيأخذ فيما بعد شكل الصدمة. 

غلاف الكتاب

ويرى القائمون على الكتاب أن الغرب "يتغذى على تأسيس الأساطير لتبرير كل من الاستشراق الأدبي والأكاديمي. في حالة المغرب، هناك مؤلفان، الأول هو الراهب والقسيس الكاثوليكي الفرنسي، شارل دي فوكو (1885-1916) المستشرق الذي عاش فترة من عمره بين الطوارق في الصحراء الكبرى جنوب الجزائر، وله كتب عن المغرب العربي منها "معرفة المغرب"، و"قاموس الطوارق-الفرنسي" وغيرها. 

والثاني هو العسكري والكاتب الفرنسي بيير لوتي (1850-1923)، والذي ذهب إلى المغرب والجزائر وكتب "في المغرب" وهو مذكرات رحلته لمدة شهر على ظهور الخيل في المغرب عبر طنجة وفاس ومكناس. وبحسب مقدمة "المغرب/ الغرب" فإن الاثنين مستشرقان من بين آخرين "احتقروا المغرب وقاموا بتبرير احتلاله". 

ومع ذلك، يتجاوز الأدب أحيانًا هذه النظرة البسيطة للعلاقة بين الشرق والغرب التي لا يمكن أن تأخذ حتمًا سوى شكل الصراع.

من المؤكد، وفقاَ للكتاب، أن الإمبراطوريات الاستعمارية تتحمل نصيبها من المسؤولية عن اقتلاع الشعوب المستعمرة وإذلالها، وقد عانت أفريقيا، على سبيل المثال، بشكل مأساوي لأن العقلانية الغربية دمرت الهياكل الاجتماعية والسياسية التقليدية. ومع ذلك، "فإن لقاء ثقافات عدائية على ما يبدو يمكن أن يولد حوارًا أكثر خصوبة".

يلفت المشاركون في الكتاب إلى أدب الكريول؛ من خلال نماذج الروائيين المارتينيكيين باتريك شاموازو (1953)، وإدوارد غليسان (1928-2011)، ويتساءلون من خلال طرح هذه التجارب إن كانت مسألة الفرانكفونية مشروعاً ثقافياً يهدف إلى الحفاظ على الروابط التاريخية بين المستعمِر والمستعمر السابق من خلال استخدام لغة مشتركة؟ يجب أن يؤدي هذا إلى إنشاء كومنولث يتحدث الفرنسية. 

"هل هو شكل حلو من الاستعمار الجديد الذي يحافظ على هيمنته بأشكال أخرى؟"، خاصة وأن الاتصال بلغة كل منهما معقد، لأن استيعاب اللغة يرافقه تكامل القيم. وبالتالي، هناك المشاكل التي يمكن أن تسببها والفردية والعقد الاجتماعي في المجتمعات التقليدية. 

لقد أثار الأدب هذه المشكلة بكل حدة؛ وهذه هي المحاور التي يحاول الكتاب التصدي لها. 

 

المساهمون