"المركز السوري لدعم القرار" يقيّم الثورة السورية بعامها الرابع

01 مايو 2014
في حلب قبل أيام (الأناضول/getty)
+ الخط -
أصدر "المركز السوري لدعم القرار"، تقريره الاستراتيجي الذي تناول أبرز المستجدات الخاصة بالوضع في سورية. وأعد التقرير فريق من الباحثين السوريين تحت إشراف عضو "الائتلاف الوطني" المعارض، برهان غليون.

يتضمن التقرير جملة من التساؤلات والتقديرات حول آفاق الأزمة السورية، فضلاً عن رصده لمجمل التحوّلات المتعلقة بالوضع السوري، بدءاً بالإطار السياسي، وفشل مفاوضات جنيف2، مروراً بتقييم وضع الممثل السياسي الأبرز للثورة، "الائتلاف الوطني"، وصولاً إلى الوضع الدولي، وكيفيّة انعكاسات متغيراته على الوضع في سورية، فضلاً عن تحوّلات المواجهة الميدانية بين النظام وقوى المعارضة المسلحة.

فشل الحل السياسي
يرى التقرير أنّه بعد التقدم السياسي والميداني والدولي، الذي شهدته الثورة خلال عامها الأول، بدأت منذ منتصف عام ٢٠١٢، مرحلة اتسمت بالمراوحة، نجح النظام خلالها في دفع الثوار إلى حرب مواقع في المدن والقرى التي تحررت من سيطرته، قبل أن تبدأ مرحلة الحصار.

وارتبطت التحولات السابقة بتغير عميق في طبيعة الحرب، التي انتقلت من "حرب داخلية" يواجه فيها شعب يتوق للحريّة نظاماً مصمماً على البقاء بأي وسيلة، إلى حرب إقليمية، بعدما قررت إيران أن تنخرط كلياً في الحرب. وكان هذا القرار بداية تدفق الرجال والسلاح والمال من دون حدود لمصلحة نظام الرئيس بشار الأسد، لتعزيز مواقعه والحيلولة بأي ثمن دون سقوطه.

وبحسب التقرير، فإن "الخيار الإيراني" تقاطع مع الاستراتيجية الروسية التي كانت في حالة احتجاج دائم على ما تسميه "غدر" الغرب بها في ليبيا، وقبلها في العراق. ووجدت موسكو في النزاع السوري فرصة للانتقام من الغرب، وإجباره على الاعتراف بدورها في السياسات الدولية.
في المقابل، اعتبر التقرير أن ما بميز السياسة الغربية، وفي مقدمتها السياسة الأميركية، هو الابتعاد عن المواجهة المباشرة، والاكتفاء بالضغوط الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي سمح بالتوصل إلى اتفاق "جنيف1"، الذي أصبح محور جميع المبادرات السياسية المتعلقة بوقف الحرب السورية، وقاد إلى إصدار القرار 2118 الذي كرس التفاهم الروسي ــ الأميركي، وترجم واقع استحالة أي حسم عسكري في سورية وحتمية الحل السياسي.
وأشار التقرير إلى أن مؤتمر "جنيف٢" شكّل صدمة قوية للحكومات الغربية، التي راهنت على أن تعاون روسيا في دفع النظام السوري إلى القبول بالانخراط في مفاوضات جدية، يقود إلى تسوية تضمن مصالح الجميع. لكن روسيا التي أدركت غياب الخيارات الغربية في سورية، عادت وتنكّرت للغرب، وتحللت من التزاماتها المسجلة في قرار مجلس الأمن 2118.
ويوجز التقرير تداعيات فشل مؤتمر جنيف٢ بالنقاط التالية:
أولاً: اعتبار المؤتمر "ورقة توت" سعت الولايات المتحدة من خلالها إلى التغطية على عدم مبالاتها بالملف السوري.
وثانياً: إظهار غياب أي خيارات أو مبادرات عربية أو دولية بديلة لمواجهة تطرف النظام، وتعنت روسيا وايران، واستفرادهما بالشعب السوري المنكوب.
وقادت التداعيات السابقة، بحسب التقرير، إلى تآكل الثقة المتبادلة داخل صفوف قوى الثورة والمعارضة من جهة، وفي ما بينها وقطاعات الرأي العام المؤيد والمتطلع إلى التغيير من جهة ثانية. ومع تنامي الشعور بتباعد أفق الحل الشامل، وعجز المعارضة عن فرض تسوية سياسية عامة، وُلدت عند العديد من مجموعات المقاتلين المحاصرين منذ أشهر طويلة، تكتيكات جديدة للبحث عن مخارج جزئية ومؤقتة، وهذا ما يكده التوقيع على الهدن و"المصالحات" المناطقية التي تكاثرت في الأشهر الماضية.

استعادة المبادرة
وأمام المشهد السابق، رأى التقرير أن حماية مصالح الثورة والاستمرار في الدفاع عن المبادئ التي قامت من أجلها، يستحضر الكلام على خمسة محاور رئيسة هي:
المحور العسكري، الذي بهدف إلى استعادة المبادرة الميدانية، وإعادة بناء القوى المقاتلة للثورة على ضوء المهام الجديدة.

المحور السياسي، الهادف إلى استعادة الحاضنة الشعبية إلى جانب الثورة، وإعادة التواصل مع جماهير الثورة والشعب عموماً، وعزل الطغمة الحاكمة وحصارها.

المحور الاجتماعي، ويستدعي من المعارضة أن تأخذ قضية تخفيف معاناة السوريين المنكوبين بجدية، ومعالجة نتائج التدمير المنهجي للمجتمع.
المحور الدبلوماسي، ويُعنى بإعادة بناء حقل علاقات الثورة الدولية وتفعيلها.
أما المحور الإعلامي والثقافي، فيهدف إلى مقاومة حملات النظام الدعائية والنفسية التي يسعى من خلالها إلى تخويف قطاعات واسعة من الرأي العام.

وانطلاقاً مما سبق، يلفت تقرير "المركز السوري لدعم القرار"، إلى أن العمل يجب أن يتركز، خلال المرحلة المقبلة، على إصلاح المؤسسات الثلاث الرئيسة التي تملكها قوى الثورة والمعارضة، لإعادة تأهيل نفسها وتنظيم قواها وترتيب أوضاعها، وهي : "الإئتلاف" ، و"هيئة أركان الجيش الحر"، والحكومة المؤقتة.

بخصوص "الائتلاف"، يرى التقرير أن إصلاحه يتطلب إجراء تحولات عميقة في أساليب عمل المسؤولين فيه، وطرق إدارتهم، وصيغ تنظيمهم. لكنه يتطلب أيضاً النظر إلى الاصلاحات المنشودة كجزء من مشروع كبير لاستعادة الانغراس في الأرض السورية، والارتباط بشعب حرم من أي قيادة أو تنظيم. وبناءً على خلاصات التقرير، ليس المطلوب عملية إصلاح تزيينية، وإنما تجاوُز أساليب العمل والتوجهات وأشكال التنظيم التي لم تكن مفيدة، وتحويل "الإئتلاف" إلى منظمة فاعلة في خدمة الثورة، أي إلى خلية عمل ومناقشات سياسية ونظرية قادرة على مواجهة التحديات وإطلاق مبادرات واقتراحات لحل المشاكل القائمة.
وبالتنسيق بين نشاطات "الإئتلاف" ونشاط هيئة الأركان ونشاط الحكومة المؤقتة، تستطيع الثورة، بحسب التقرير، أن تؤمن القوى وتخلق الفرص التي تمكنها من منع النظام من تحقيق أهدافه وحرمانه من الحسم العسكري، واستنزافه، وإجباره على القبول بحل سياسي يقوم على الانتقال السياسي نحو نظام جديد ديمقراطي، يتفق مع هدف قرار مجلس الأمن 2118، ويؤسس لدولة الحق والقانون والمواطنة المتساوية وإلغاء كل أشكال التمييز والأقصاء والتهميش.

ويرصد التقرير جانباً من التطورات الميدانيّة التي شهدتها المواجهة بين قوى المعارضة المسلحة وقوات النظام، والتي جاء أبرزها خلال شهر مارس/آذار 2014، وانحصرت في أربع جبهات هي القلمون في الجنوب، وحلب في الشمال، بالإضافة إلى الجبهة الوسطى في ريف حماة الشمالي، وجبهة الساحل.

المشهد الإقليمي والدولي
يرصد التقرير التحولات سياسية التي جرت على المستويين الإقليمي والدولي، والتي انعكست سلباً على واقع الثورة السورية. فقد استمر شلل العالم العربي تجاه مأساة الشعب السوري. وتسبّب تسليم مقعد سورية لـ "الائتلاف الوطني"، مثلما كان مقرراً في مؤتمر القمة العربية، بمشكلة لبعض الدول العربية، بل ربما حصل تراجع في موقف وحماسة العديد من هذه الدول، مقارنةً مع السنتين الماضيتين من عمر الثورة والإئتلاف.

ويوجز التقرير التغيرات التي شهدتها كل من مصر ولبنان وتركيا، وانعكاساتها على الوضع السوري. ففي مصر، يوضح التقرير، أن موقف القاهرة، بات اليوم أقل حماسةً للثورة السورية مما كان سابقاً، كما أن هناك تبدلاً واضحاً في الموقف من السوريين الذين اضطروا إلى اللجوء في مصر.

أما في لبنان، فقد أدى الاتفاق الإقليمي والدولي على تشكيل الحكومة، بعد اتضاح فشل مؤتمر جنيف 2، إلى تضاؤل الاهتمام بمواصلة الجهود لتسوية القضية السورية، كما ظهر قبول جميع الأطراف بتشكيل الحكومة، في ظل استمرار انخراط حزب الله في الصراع الى جانب النظام السوري.

وعلى الصعيد الإقليمي، يشير التقرير إلى أنه ثمة أثر إيجابي محتمل لنتائج الانتخابات المحلية التركية، إذ من المؤكد أن فوز مرشحي حزب "العدالة والتنمية" سيعزز أكثر موقف رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، داخل تركيا، وسوف يشجعه هذا على الثبات على موقفه الداعم للشعب السوري.
في المقابل، وفي الوقت الذي كان يتراجع فيه وضع خصوم النظام إقليمياً، كانت ايران تحقق مكاسب سياسية جديدة. وقد أدّى انتخاب حسن روحاني في طهران، دوراً مهماً في الحيلولة دون توجيه واشنطن ضربة عسكرية للنظام السوري عقب استخدامه السلاح الكيماوي في شهر أغسطس/آب 2013. وساهمت ايران، بالتعاون مع روسيا، مستفيدة من رغبة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في تجنب الانجرار إلى تدخل عسكري جديد في المنطقة، في إخراج اتفاق السلاح الكيماوي السوري إلى حيز النور.
أما على الصعيد الدولي، فلا تزال المعادلة التي ساهمت في مراوحة الثورة في المكان، على الصعيد العسكري والدبلوماسي، مستمرة من دون تغيير يذكر، أي الانخراط الواسع والشامل من قبل روسيا وإيران إلى جانب النظام من جهة، والتردد الذي طبع موقف حلفاء الثورة الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة من مسألة تسليح الثوار بالأسلحة الثقيلة والنوعية، من جهة ثانية.
كما أن ضعف رد الفعل الغربي في الأزمة الاوكرانية، وضم روسية شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، أعطيا مزيداً من الثقة للنظام ولحلفائه. وقد تبين مقدار عدم المبالاة التي يتعامل بها أوباما مع قضايا السياسة الخارجية، خصوصاً تلك التي لا يرى أنها تشكل تهديداً لمصالح واشنطن واستراتيجياتها.

ما البديل؟
يفرد التقرير فصلاً خاصاً بالوضع الإنساني في سورية، على ضوء تعطيل روسيا لمجلس الأمن. ويلفت إلى أنه من غير الممكن أن تحل المأساة الإنسانية في سورية، ما لم يتحرك مجلس الأمن، متجاوزاً الخلافات الجيوستراتيجية بين القوى العظمى، والتي لا تقيم أي وزن حقوقي أو أخلاقي، عبر اتخاذ خطوات ملزمة بإدخال المساعدات، وحظر استخدام الأسلحة المحرمة دولياً، والقصف العشوائي، وإحالة المتورطين في سورية إلى العدالة وإشعارهم بأن هناك محاسبة عما اقترفوه من جرائم.
ويقترح التقرير بديلاً عن مجلس الأمن، عبر اللجوء إلى الجمعية العامة تحت إطار ما يُسمّى "الاتحاد من أجل السلام" ، وهو القرار الذي ضغطت الولايات المتحدة لاستصداره عام 1950، من أجل التغلب على المعارضة الروسية الرامية إلى تعطيل استصدار أي قرار عمل عسكري بشأن كوريا. ومن هذا المنطلق، ينبغي على المعارضة السورية، وفق التقرير، أن تدرس آليات تفعيل عمل الجمعية العامة، واستصدار قرارات قابلة للتطبيق وغير خاضعة لحق النقض (الفيتو)، بالاعتماد على تعبئة جميع الدول الصديقة وحثها على العمل.

ولفت التقرير إلى أن اللجوء إلى الجمعية العامة لا ينبغي أن يحجب الأنظار عن غياب إرادة التدخل نفسها عند المجتمع الدولي. لكنه يضيف أن تقصير المعارضة لا يزال كبيراً أيضاً في إيصال التقارير الحقوقية الصادرة عن جهات ذات خبرة ومرجعية إلى الرأي العام الغربي، وعدم الاستفادة من عمل شركات العلاقات العامة المختصة في هذا الشأن.
واختتم التقرير بجملة من التوصيات الخاصة بالمستوى القيادي، السياسي والعسكري للثورة، ورأى أن تحسين أداء "الائتلاف"، وتعزيز موقعه السياسي في العمل العام، يتطلب حل مسائل رئيسة أهمها :
ـ تعديل النظام الداخلي، وإصلاح آلية اتخاذ القرار فيه، فضلاً عن مأسسته، من خلال تزويده ببرنامج عمل فعلي، وتوزيع واضح للصلاحيات والمهام، وتغيير أسلوب العمل، بهدف تجاوز الانفرادية نحو التعاون وتعزيز روح الفريق.

ويشير التقرير إلى ضرورة بناء علاقات واضحة وسليمة بين "الائتلاف" والحكومة المؤقتة، وتحديد الصلاحيات بشكل أدق لكليهما.

أما فيما يخص هيكلة الأركان و"الجيش الحر"، فيري التقرير أن الخروج من أزمتها وقيامها بمسؤولياتها، يستدعي تحديد العلاقة والصلاحيات الخاصة بين "الائتلاف" من جهة، والحكومة من جهة ثانية، وهيئة الأركان من جهة ثالثة، وتحديد العلاقة بشكل أدق أيضاً بين قيادة هيئة الاركان والمجالس العسكرية والثورية التابعة لها.

أخيراً، وعلى صعيد العلاقات الدولية والدبلوماسية، رأى التقرير أنه لا يمكن التقدم في بناء علاقات ثابتة ومتينة وتطويرها، مع أي من الدول أو القوى المؤيدة للثورة، من دون العمل بأسرع وقت على بناء جهاز دبلوماسي قوي بالتعاون مع الدبلوماسيين المنشقّين، يتابع، بحسب الاختصاص، شؤون المناطق والدول والتكتلات، ويقدم المعلومات الصحيحة عن سياسات الدول والتكتلات، ويساعد على تحسين أداء قادة "الائتلاف" وإصلاح سياساته وضبط مواقفه.

المساهمون