في السنوات الأخيرة، من النادر الحديث عن واقع الأركيولوجيا في العالم العربي خارج سياق النهب والتدمير الذي عرفته خصوصاً بلدان مثل العراق وسورية وليبيا، فلم تترك الحروب والصراعات أية فرصة للبحث الحفري في هذه المناطق، وحتى عند الحديث عن الأركيولوجيا بالمعنى العَمَلي في بقية البلدان فإن الأمر يتعلّق في الغالب ببعثات أجنبية، كما هو الحال في مصر أو السودان.
قد تكون الصورة أفضل في تونس مقارنة بالبلدان العربية المذكورة، حيث لم تشهد -في ما عدا عمليات التهريب- تخريباً في رصيدها الأثري، وإن جرى تسجيل تراجع في الاهتمام بالمواقع الأثرية فلم تعد تحضر في فعاليات أساسية في المشهد الثقافي بالمقارنة بالأنشطة المتعدّدة ما قبل 2011 وإن كان ينبغي التنويه بأن ذلك لم يكم سوى جزء من منظومة ثقافية كانت تربط الأثري بالسياحي.
في مدينة سوسة، يقام غداً يوم دراسي بعنوان "إضاءات جديدة على حفريات المدن الأفرورومانية" والذي ينظّمه "مخبر إشغال الأرض والتّعمير وأنماط العيش" في كلية الآداب في سوسة، وهو يقدّم حصيلة سنوات في ما تحقّق أركيولوجياً في تونس على مستوى المواقع التي تعود إلى مدن جرى بناؤها في العصر الروماني، وكانت تونس تسمّى آنذاك أفريكا.
المحاضرة الافتتاحية يلقيها الأثري التونسي حمدان بن رمضان ويضيء فيها المشاريع المعمارية لتهيئة خارطة المدن الأفرورومانية، قبل أن يتحدّث كل من علي درين ومنير حرشاني ونزار بن سليمان حول مواقع مخصوصة مثل فوروم زيان وموقع أوذنة وألتيبروس.
في الجلسة الثانية، يعرض كل من محمد بن نجمة وبثينة بن بعزيز حصيلة محاولات ترميم مواقع بولاريجيا وتيبربوماجوس، ويتحدّث نجيب بنلزرق حول ما وصلته الحفريات في لبتي مينوس. لتكون الجلسة الختامية مخصّصة لمسائل أوسع، إذ يصف لطفي النداري آثار منطقة سبيطلة من موقع أنها لم تعرف ما يكفي من الاستثمار الأركيولوجي، ويقدّم شكري الطويهري محاضرة بعنوان "مصير المدن القديمة في فترة دخول الإسلام إلى شمال أفريقيا"، فيما يختتم اليوم الدراسي بمحاضرة نظرية بعنوان "محاولات صياغة مورفولوجيا للمدن الرومانية في شمال أفريقيا" تلقيها ضحى العريبي.