بات المشهد المسرحي التونسي يقدّم من عمل إلى آخر صورة أكمل عن "ثورة 2011" وتفاصيلها. ومع تراكم الأعمال في السنوات الخمس الماضية، صرنا نقف على قراءات متضاربة وتنويعات وتفريعات شتى تلامس الكثير من أوجه ما حدث اجتماعياً وسياسياً وثقافياً وترصد تحوّلات البلاد ومفارقاتها.
مسرحية "المحاكمة" التي قدّم اليوم العرض الثالث منها على خبشة مسرح "ريو" في تونس العاصمة، تقف بنا على صورة "الثورة التونسية" بين جيلين (ابن وأبيه)، الأول حضر يومياتها، وسقط قتيلاً برصاصها، والثاني كان خلالها غائباً، ما يخلق فروقات ليست بالهيّنة في تمثلها.
توصل الحبكة هذه الفكرة بسرعة، حيث تروي المسرحية عودة أب بعد غياب 22 عاماً عن تونس، كان قد ترك زوجته حبلى. يكبر ابنه الذي لم يعرفه حتى يُقتل خلال أحداث الثورة، ما يجعل الأب يأخذ موقفاً عدوانياً منها، ويبدو أقرب للدفاع عن عودة النظام السابق، في محاكاة للتجاذب السياسي الذي عاشته تونس بعد الثورة.
المسرحية تفتح على قضية استرداد حقوق شهداء الثورة التي كثيراً ما يجري تصعيدها في الفضاء العام والإعلام، حيث أن موقف الأسرة "المعادي للثورة" يعقّد معنى المطالبة بحقوق "الشهيد". هذه المفارقة تقود إلى طرح سؤال تتحرّج الخطابات السياسية أن تطرحه: ما الذي يجعل من الشهيد شهيداً؟
العمل من إخراج جمال مداني، ويؤدي أدواره الرئيسية كل من حمودة بن حسين وجمال ساسي وانتصار عيساوي وغيرهم، وهو قريب في تركيبته (الممثلين والعناصر المسرحية) من عمل سابق تعاون فيه جزء من هذه المجموعة، هو مسرحية "تونس" لـ أحمد أمين بن سعد والذي ساهم في "المحاكمة" من موقع دراماتورج.