"الماتادور" وقصة الشيخ ديل بوسكي التائه

19 يونيو 2014
ديل بوسكي سقط بعد سيطرة دامت لسنوات (Getty)
+ الخط -
 عاش الملك مات الملك. لا فوز دائم ولا خسارة مستمرة. إنها أبسط فلسفة كروية تُلخص السقوط المرير والخروج الغريب للمنتخب الإسباني، حامل لقب المونديال وبطل "اليورو" مرتين متتاليتين. كرة القدم لعبة المفاجآت، لذلك عرفت بالمستديرة المجنونة، التي لا تستطيع أن تراهن عليها في كل الأوقات. تشيلي تفوز بهدفين وتصعد مع "الطواحين" إلى الدور الثاني، و"الماتادور" في خبر كان، بعد أن خسر، مرة أخرى، وكتب النهاية الدرامية لرحلة البرازيل المونديالية.

# ديل بوسكي، الوفاء المميت

يُحكى أن رجلا عجوزا اتسّم بالوفاء الشديد للعاملين معه، بسبب رحلة النجاح المستمرة بين الجانبين، ولكن لكل مرحلة بداية ونهاية، منحنى صعود وهبوط، والزمن لا يرحم أبداً، ومن المستحيل أن توقفه. الشيخ لم يفهم هذه العبارة جيداً، وصمّم على المضي قدماً بالأساليب القديمة نفسها، مع المجموعة ذاتها.

إنها قصة قصيرة تصلح لكل زمان ومكان، وفي كرة القدم، فيستني ديل بوسكي هو نفسه هذا الرجل، الذي اشتهر طوال مسيرته الكروية بالواقعية الشديدة، وبرجاله الذين يثق بهم ويشكرهم، ورغم أن السقوط بدأ في نهائي كأس القارات 2013، إلا أن المدرب الإسباني لم يشعر بالخطر، وبالغ في تصوراته، حتى حدثت الفضيحة المدوية في كأس العالم .

كاسياس لا يلعب كثيراً في آخر موسمين، نقطة ضعف واضحة، حتى أثناء مشاركته الأخيرة مع الريال في نهائي الأبطال، قدم أداء ضعيفا للغاية وكان نقطة ضعف حقيقية طوال المباراة. فالديس أصيب، وحتى في حالة وجوده سيكون احتياطيا. دي خيا يقدم مستوى أنيقا ولا يلعب، وبكل تأكيد بيبي رينا يحتفظ بمقعده على مقاعد البدلاء .

المنتخب الإسباني يمتاز بالاستحواذ الكبير مع الضغط العالي في منطقة وسط الملعب، لذلك يلعب بمدافع متقدم، ويحرم المنافس من التصرف بالكرة، هكذا كانت الخلطة السحرية، التي قدمها جوارديولا مع برشلونة في حقبة (2008 – 2012)، واستفاد منها "الماتادور" كثيراً في بطولاته الأوروبية والعالمية.

في هذا الحدث، لم تكن المشكلة في خط الدفاع، لا خلاف على سوء مستوى بيكيه وراموس خلال مباراة هولندا، ولكن الفجوة الرهيبة كانت في منطقة الوسط والضغط الضعيف جداً، الذي يقدمه كلٌّ من تشافي هيرنانديز وتشابي ألونسو، في حين يُعتبر كابتن برشلونة أحد أعظم اللاعبين في تاريخ إسبانيا إذا لم يكن فعلاً أعظمهم، وألونسو لاعب ارتكاز من الطراز الأول، إلا أن مستوى الثنائي تراجع كثيراً خلال الفترات الأخيرة وشكلا عبئا كبيرا على المنتخب.

من دون ضغط كاف من ألونسو وهيرنانديز، وجد المنتخب الهولندي نفسه أمام دفاع متقدم، وحارس مهزوز، فسجل خماسية مع الرأفة، وأمام تشيلي، غاب هيرنانديز لكن استمر ألونسو أمام منتخب لاتيني لا يرحم في الضغط. مجموعة من المجانين، الذين يقطعون الملعب ذهاباً وإياباّ من دون توقف، لذلك لم يصمد أمامهم المنتخب الأوروبي كثيراً. الكرة ليست لعبة الصُدف، لذلك مقدمات ديل بوسكي كانت سيئة وبالتالي النتائج كانت أسوأ.

# البركة بالشباب

فيدال يتوغل مرتين في الوسط، دون أية رقابة، ويرفع الكرة من نصف الملعب. فتّش عن التحولات الدفاعية ولاحظ مستوى دافيد سيلفا السيىء جداً خلال البطولة، الجناح المهاري لا يدافع أبداً، ولا يعود إلى الخلف. لذلك كان يجب على ديل بوسكي إراحته أمام تشيلي، المنتخب البطل لا يحتاج إلى طريقة لعب (4-2-3-1)، ما دام المهاجم الصريح هو دييجو كوستا، البرازيلي الإسباني الذي يتحرك كثيراً خارج المنطقة ويُبدع أكثر حينما يتحول إلى الجناح.

لذلك كان الاعتماد على خطة (4-3-3) الصريحة مع مجموعة الشبان، خافي مارتينيز لاعب قوي جداً في الضغط، صحيح أن تمريراته ليست بجودة ألونسو، لكن بوسكيتس قادر على القيام بهذه الأمور، وترك مجال الضغط لوسط بايرن، الذي يجيد التعامل مع لاعبين بلياقة فيدال، كذلك أفضل لاعب شاب في الدوري الإسباني هذا الموسم، كوكي لاعب الجناح الذي يدخل في العمق أثناء الدفاع، خيار أفضل ومميز جداً لمواجهة المرتدات على اليمين واليسار من الملعب .

بعد القارات جاء الإنذار، وخلال هزيمة هولندا، كل شيء أصبح في طريقه إلى التغيير، لكن ديل بوسكي فقد الزمان والمكان وخسر كل شيء في بطولة كان يستطيع الوصول فيها إلى نصف النهائي، إذا أحسن الاختيار، ومع هذا السقوط، الأمور لن تتجه إلى السواد الكامل كما يعتقد البعض .

المنتخب الإسباني يضم لاعبين شبانا رائعين، وأندية إسبانيا هي الأفضل على الإطلاق في أوروبا خلال السنوات الاخيرة، و"الليجا" بطولة ولّادة للنجوم الصاعدين، الأمر فقط يتطلب جرأة أكبر وضخ دماء جديدة، واقتناع النجوم الكبار بأن القطار قد مر ولن يعود أبداً إلى محطاته القديمة.

المساهمون