أثار قرار رئيس مجلس الوزراء المصري تشكيل لجنة عليا للمهرجانات، الأسبوع الماضي، امتعاض وريبة قطاعات واسعة من المعنيّين بالفنون والآداب. تتألّف اللجنة من وزيرة الثقافة، إيناس عبد الدايم، رئيسةً، وممثّلين لعددٍ من الوزارات ورؤساء النقابات المعنية، وتختص بتنظيم المهرجانات والحفلات في أنحاء الجمهورية، حيث تتضمّن أعمالها تشكيل روزنامة سنوية للمهرجانات.
إلى هنا، لا يبدو في الأمر ما يُقلق. لكن القرار ينصّ، كذلك، على أن تُنسّق اللجنة أعمالها مع المحافظين، ليس فقط لمراعاة توزيع عادل للمهرجانات على محافظات مصر المختلفة، ولكن أيضاً لمنع إقامة أي حدث أو احتفال لم يحصل على موافقتها، متمثّلةً في ترخيص رسمي، وهو ما اعتبره المراقبون تعقيداً بيروقراطياً مجحفاً يُضاف إلى تعقيدات أخرى تواجه مبادرات الثقافة المستقلة في البلاد. كما وُصفت الشروط المطلوبة للترخيص بأنها "مطّاطية" و"تعجيزية" ولا تصب في صالح الثقافة الوطنية ولا "قوّة مصر الناعمة".
طبقاً للقرار، على من يسعى إلى تنظيم مهرجان أن يتقدّم إلى اللجنة بطلب خلال شهر يونيو/ حزيران من كل عام، ولا يجوز تقديم الطلب في أي وقت آخر، ولا يُقبل الطلب ما لم يتضمّن أسماء كلّ المدعوّين والمكرّمين. كما أنه لا يحقّ للشركات الخاصّة أن تتقدّم بطلبات إذا لم يكن 51% من رأس مالها مملوكاً لمواطنين مصريّين.
لكن هناك ما هو أخطر من التعسّف البيروقراطي الذي يُذكّر بعصر المركزية الشمولية في الستينيات؛ فالقرار يجعل من اللجنة جهةً رقابية وذراعاً أمنية بمنحها الحقّ في مراجعة محتوى المهرجانات ومداهمة مقرّات الفعاليات والجهات التي تُنظّمها.
كما يُلزِم القرار جهات المجتمع المدني الراغبة في إقامة مهرجانات بأن يكون لها "نشاط ملموس لخدمة المجتمع في مجال تخصّص المهرجان أو الاحتفال"، وهو اعتبار ذاتي وحمّال أوجه يعطي اللجنة صلاحيات تحكّمية واستبدادية، خصوصاً أن "الجمعيات الأهلية"، كما يسمّيها نص القرار، هي الجهة التي تنظّم أكبر عدد من المهرجانات والفعاليات الناجحة. ولا شك أنها تتفوّق على وزارة الثقافة في الانضباط والكفاءة، رغم ما تواجهه من عوائق أمنية وقانونية بالفعل.
ليس قرار مجلس الوزراء الجديد أوّل عائق حكومي في وجه الإبداع، ولا فائدة من توجيه اللوم مجدّداً إلى مؤسّسة تدين بوجودها للجهاز البيروقراطي وتتبع إرادة السلطة السياسية. لكن، وبالمنطق نفسه، لا داعي للحديث الممجوج عن "مواجهة الأفكار المتطرّفة" و"محاربة الإرهاب" وسوى ذلك ممّا تُصرّح به الوزيرة والقيادات الثقافية، طالما أن الدولة تفعل كل ما في وسعها لتفريغ المجال العام وإغلاقه في وجه كل ما يمكن أن يغذّي العقول والقلوب، وأن يبعث على الأمل والفرح، أو يدعم انحياز الناس ضد "القوى الظلامية".