أكثر من ستة ملايين جمجمة وبقايا هياكل عظمية بشرية ترقدُ في انتظار الزائرين داخل شبكة أنفاق المناجم القديمة الممتدة تحت شوارع عاصمة النور باريس. يطلقون على تلك المنطقة المخيفة "الكاتاكومبس" أو سراديب الموتى، وعلى الرّغم من تعدد تلك السراديب التاريخية في بلدان مثل: إنجلترا وإيطاليا وأسبانيا وفنلندا واليونان ومصر وبيرو وأستراليا وغيرها؛ فإن الكاتاكومبس الفرنسية تعدّ بلا منازع أكبرَ مقبرة في العالم.
تقع مدينة الموتى هذه على عمق يصل لعشرين متراً، أسفل شارع "طريق المقبرة"، جنوب البوابة الرسمية القديمة لباريس، والتي كانت تُسمى "بوابة الجحيم". وتشكل متاهة حقيقية تحت الأرض، تم إنشاؤها سابقا داخل المحاجر العتيقة التي جُلبت منها الأحجار لبناء باريس.
تحوي الكهوف والممرات السفلية جماجمَ وبقايا عظامٍ لملايين الفرنسيين، وقد نُقلت بالتدريج إلى هذا المكان الموحش منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما أُغلقت المقابر بسبب المخاطر التي شكلتها على الصحة العامة في ذلك الحين، وكانت أول المقابر المنقولة وأشهرها «مقبرة الأبرياء القديسين» التي تقع في حي «لي هال»، والتي نقلت عام 1786.
في متاهة طويلة من صالات العرض المظلمة والممرات الضيقة ذات الإضاءة الخافتة، يمكن للزوار رؤية لوحات فنية تتكون من جماجم ورفات وعظام مُرتبة في عرضٍ متحفيّ مروّع، وبذوق رومانتيكي عالٍ. توجد فوق مدخل المقبرة لوحة مكتوب عليها: «قف: هذه إمبراطورية الموت». وهي واحدة من سلسلة من العبارات والأقوال المأثورة والمقاطع المقدسة التي تنبه الزائر للتفكير والتدبر خلال جولته في المقبرة. فهذا المكان غير العادي يستعيد بطريقة مؤثرة جزءاً من تاريخ الشعب الباريسي، آخذاً بيد السائحين في رحلة خالدة عبر الزمن. والعظام التي تحتويها المقبرة يعود بعضها لمشاهير مثل "فرانسوا ربليه" و"جان دي لافونتين" و"شارل بيرو". وخلال الثورة الفرنسية دُفن الناس مباشرة في تلك السراديب، بما في ذلك أفراد الحرس السويسري الذين قتلوا في اقتحام "قصر التويلري" في 10 أغسطس/ آب 1792 .
أما عن السراديب ذاتها وطريقة تكوينها، فهي محور اهتمام الباحثين الجيولوجيين، إذ تمثل وسيطا بين التطور الجيولوجي للأرض وتاريخ باريس ونشأتها. فقبل 45 مليون سنة، فيما يسمى بـ"العصر اللوتيني" كانت باريس والمنطقة المحيطة بها مغمورة بمياه البحر، وعشرات الأمتار من الرواسب البحرية المتراكمة التي شكلت طبقات من الحجر الجيري والجير لا تزال مرئية حتى اليوم في سراديب الموتى.
في القرن الأول الميلادي كانت باريس تسمى "جالورومانز". وتم استخدام الحجر الجيري المستخرج من هذه الأرض لبناء مدينة "لوتيسيا" الرومانية القديمة. ومنذ القرن الثالث عشر كانت محاجر استخراج الحجر الجيري مفتوحة على طول نهر "بيفر"، ثم استبدلت بأعمال الحفر تحت الأرض لتوريد الكميات الضخمة المطلوبة للبناء، خاصة من أجل بناء "كاتدرائية نوتردام" ومتحف "اللوفر" وأسوار المدينة ومتاريسها.
الأعمدة التي تدعم السقف وتجاويف الأسقف والممرات وآثار أقدام عمال المناجم وميناء "ماهون" وآثار النحت؛ كلها يمكن رؤيتها أثناء التجول في السراديب، وتمثل شاهداً على حقيقة أن التعدين جرى بنشاط في هذا المكان على مدى قرون، إلى أن ترك المحاجر سراديبَ وكهوفاً فارغة، حتى انتهى بها الحال لأن تتحول إلى أكبر متحف للهياكل العظمية البشرية في العالم.
اقــرأ أيضاً
تحوي الكهوف والممرات السفلية جماجمَ وبقايا عظامٍ لملايين الفرنسيين، وقد نُقلت بالتدريج إلى هذا المكان الموحش منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما أُغلقت المقابر بسبب المخاطر التي شكلتها على الصحة العامة في ذلك الحين، وكانت أول المقابر المنقولة وأشهرها «مقبرة الأبرياء القديسين» التي تقع في حي «لي هال»، والتي نقلت عام 1786.
في متاهة طويلة من صالات العرض المظلمة والممرات الضيقة ذات الإضاءة الخافتة، يمكن للزوار رؤية لوحات فنية تتكون من جماجم ورفات وعظام مُرتبة في عرضٍ متحفيّ مروّع، وبذوق رومانتيكي عالٍ. توجد فوق مدخل المقبرة لوحة مكتوب عليها: «قف: هذه إمبراطورية الموت». وهي واحدة من سلسلة من العبارات والأقوال المأثورة والمقاطع المقدسة التي تنبه الزائر للتفكير والتدبر خلال جولته في المقبرة. فهذا المكان غير العادي يستعيد بطريقة مؤثرة جزءاً من تاريخ الشعب الباريسي، آخذاً بيد السائحين في رحلة خالدة عبر الزمن. والعظام التي تحتويها المقبرة يعود بعضها لمشاهير مثل "فرانسوا ربليه" و"جان دي لافونتين" و"شارل بيرو". وخلال الثورة الفرنسية دُفن الناس مباشرة في تلك السراديب، بما في ذلك أفراد الحرس السويسري الذين قتلوا في اقتحام "قصر التويلري" في 10 أغسطس/ آب 1792 .
أما عن السراديب ذاتها وطريقة تكوينها، فهي محور اهتمام الباحثين الجيولوجيين، إذ تمثل وسيطا بين التطور الجيولوجي للأرض وتاريخ باريس ونشأتها. فقبل 45 مليون سنة، فيما يسمى بـ"العصر اللوتيني" كانت باريس والمنطقة المحيطة بها مغمورة بمياه البحر، وعشرات الأمتار من الرواسب البحرية المتراكمة التي شكلت طبقات من الحجر الجيري والجير لا تزال مرئية حتى اليوم في سراديب الموتى.
في القرن الأول الميلادي كانت باريس تسمى "جالورومانز". وتم استخدام الحجر الجيري المستخرج من هذه الأرض لبناء مدينة "لوتيسيا" الرومانية القديمة. ومنذ القرن الثالث عشر كانت محاجر استخراج الحجر الجيري مفتوحة على طول نهر "بيفر"، ثم استبدلت بأعمال الحفر تحت الأرض لتوريد الكميات الضخمة المطلوبة للبناء، خاصة من أجل بناء "كاتدرائية نوتردام" ومتحف "اللوفر" وأسوار المدينة ومتاريسها.
الأعمدة التي تدعم السقف وتجاويف الأسقف والممرات وآثار أقدام عمال المناجم وميناء "ماهون" وآثار النحت؛ كلها يمكن رؤيتها أثناء التجول في السراديب، وتمثل شاهداً على حقيقة أن التعدين جرى بنشاط في هذا المكان على مدى قرون، إلى أن ترك المحاجر سراديبَ وكهوفاً فارغة، حتى انتهى بها الحال لأن تتحول إلى أكبر متحف للهياكل العظمية البشرية في العالم.