في حديثه لـ"العربي الجديد"، يرى صاحب "باريس على النيل" أن أهم ما يميّز العمارة المصرية في القرنين التاسع عشر والعشرين أنها مثّلت مرحلة شهدت نهضة اجتماعية واقتصادية كانت تعيشها مصر، وأتى الاستعمار في تلك الفترة كمحفّز للبحث عن هوية عبّرت عن نفسها بشكل أساسي من خلال الفن".
يستشهد صدقي كثيراً بتمثال "نهضة مصر" الذي أنجزه النحات المصري محمود مختار (1891 – 1934)، والذي يشير إلى استناد الفلاحة إلى جذورها في التاريخ حين تنظر إلى المستقبل، حيث يتجسّد تحرير الوطن بإنقاذ هويته التي تعكسها بالضرورة الفنون والآداب، مؤكداً أن العودة إلى تلك المرحلة هو من أجل فهم لحظتنا المعاصرة وليس في سياق النوستالجيا والحنين إلى الماضي.
ويلفت إلى أن العمارة الخديوية "قامت في تلك الفترة على استعارة الطراز الغربي في البناء والتخطيط في إطار رؤية معاصرة شاملة قائمة على التعدد والتسامح وقبول كافّة المكوّنات، كما أنها استندت إلى نظم ومبادئ في إدارة العمران ضمن قانون للبلديات أقرّه محمد علي باشا عام 1835".
تشكّلّت القاهرة الحديثة منذ نهاية القرن التاسع على نواة بثلاثة فضاءات أساسية؛ قصر الحكم (عابدين) وباب الحديد وميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير سابقاً)، لتشيّد بعد ذلك معالم عديدة، في عهد كلّ من الخديوي إسماعيل وابنه توفيق، اللذين استقدما أبرز مهندسي التصميم المعماري من أوروبا لتخطيط المدينة.
الطفرة المعمارية في تلك الفترة، بحسب صدقي، حوّلت القاهرة خلال عقود قليلة إلى تُحفة حضارية تضُم مَزيجاً متجانساً من الطُرُز المعمارية النيوكلاسيكية مثل الباروك والروكوكو والقوطي الجديد، ولم تنفصل الرؤية الجمالية والثقافية عن تطوّرها السياسي والاقتصادي، فشيّدت دار الأوبرا المصرية الضخمة، وكوبري قصر النيل بأسوده، وكوبري أبو العلا، والشوارع والميادين والحدائق في الأزبكية والأورمان وحديقة الحيوان.
يضيف "منذ عام 1905 أقيمت بنايات من طوابق متعدّدة في القاهرة، وتمّ تنظيم الشوارع الرئيسية والتجارية والفرعية ضمن تخطيط يعتمد تعظيم القيمة للمكان والاستفادة من الأرض، وتبدو سنة 1869 محطّة فاصلة حين نظّمت احتفالية افتتاح قناة السويس، حيث جرى الاعتراف رسمياً بما يمكن تسميته "انضمام مصر إلى العالم المتحضر" وقبولها في النادي الغربي".
لا يعتبر صدقي أن "أوربة" مصر كانت انسلاخاً عن هويتها بقدر ما تعبّر عن تصالح بين المعاصرة والإرث الحضاري لها، لافتاً إلى أن هذا العمران بتمثّلاته في السياسة والثقافة والمجتمع طاولته تشوّهات عدّة لاحقاً، وجرى التعدّي عليها لحساب عشوائية البناء بسبب عدم ضبط التشريعات والقوانين لهذه الفوضى التي لم تشوّه المدينة فقط بل أضرّت حتى بمن بدوا مستفيدين منها".
يدعو المحاضر إلى ضرورة التدخّل الرسمي في الحفاظ على الهوية نتيجة للتشوّهات التي أصابت المعمار المصري، خاصة أن معظم المباني في وسط القاهرة التاريخي هو ملك للدولة وبإمكانها أن تستثمره اقتصادياً، وتحافظ على هوية مصرية متعدّدة تقوم على التسامح واحترام كافة مكوّناتها في وقت واحد.