"الفوضويون".. يا زمان الفن والثورة

18 يوليو 2015
طاهر رحيم في مشهد من الفيلم
+ الخط -

الطموح الفني الذي تلمسه عندما تستمع إلى المخرج الفرنسي إيلي واجمان وهو يتحدث عن فيلمه "الفوضويون"، أكبر مما استطاع ترجمته على أرض الواقع السينمائي. الفيلم قُدّم في "أسبوع النقاد" في مهرجان "كان" الأخير، وعُرض منذ أيام في بيروت، وفيه خلطة ممتعة من الفن والسياسة والتقلبات الاجتماعية التي حدثت مطلع القرن العشرين، وبالتحديد عام 1899.

أراد المخرج، حسبما يوضح في مقابلة مصوّرة، أن يبتكر سياقاً تاريخياً لقصة موجودة مسبقاً في رأسه عن مُخبر، يجمع من خلالها تاريخ الفن بلحظة واقعية وقصة متخيلة في ذهنه ككاتب أيضاً؛ يقول إنه وبعد تفكير وجد في بدايات القرن الماضي ضالته، والزمن الذي يبحث عنه لتحدث فيه الحكاية.

من هنا، سنجد في الفيلم أجواء جماعة "ليه نابيه" التشكيلية وهي جماعة ما بعد انطباعية من الطلائعيين الفرنسيين، سنعيش أجواء فنية تميزت بشخصياتها المعاصرة والمتمردة؛ لا يذكّرنا بعصرها سوى الإضاءة وأسلوب تصويرها القديم – إنها طريقة واجمان في التلاعب بالزمن التي اتبعها في فيلمه الأول "عليا"، حين دمج بين موسيقى النمساوي شونبيرغ ومعاصرنا شوغرمان- استفاد واجمان في بناء مظهر الشخصيات والسينوغرافيا من لوحات لهذه الجماعة التشكيلية الثورية لتمرير مقاطع من تاريخ الفن، واستخدم أيضاً أسلوب الإضاءة في أعمالها مجسداً أجواء زمانها.

الفيلم ليس سياسياً، ومن الواضح أن المخرج حاول جاهداً ألا يجعل الأحداث تتصادى مع هذا الزمن، وأن يضع سياقاً مناسباً لقوة درامية تحرّك الأحداث في زمانها فقط، وتستبعد التقابلات الزمنية من ذهن المتفرج - فهو يريد فعلاً أن يقول حكاية عن الفوضوييين بين العامين 1899-1900 - لكن الأفكار التي تحملها الشخصيات كانت من المعاصرة بحيث لا يمكن للمتفرج إلاّ أن يحمل المرآة الذهنية ويقوم بتحيين الأحداث وربطها بالواقع الآن.

"الفوضويون" من بطولة الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم (اشتهر في فيلم "نبي") والفرنسية أديل أكزاركوبولس (عرفناها في فيلم "الأزرق أدفأ الألوان")، وقصته حول مُخبر يتم إرساله لمتابعة جماعة من الفوضويين الذين بدأوا يستقطبون اهتمام الطبقات الفقيرة في باريس. لكن جان ألبيرتيني (رحيم) يقع في حب وصداقة مع أفراد هذه الجماعة الغارقة في السياسة والفن حتى أذنيها، يعجبه تمسكها بقيمها الخاصة والتفاني في الفكر الذي اختارت أن تنتمي إليه، رغم غرابته وغربته عن زمانه ومحيطه.

أراد المخرج أن تؤدي العلاقة العاطفية، التي ستربط المخبر مع جوديث (أكزاركوبولس)، دور حامل لكل التغيرات في السياق؛ بدءاً من التغيرات في الشخصيات نفسها وفي قناعاتها وانتهاء بهزّات المحيط نفسه، لكنه لم يوفق في تحقيق ذلك، فمقومات العلاقة التي حدثت بسرعة شديدة ليست كافية لتبرير مواقف الشخصيات، وكذلك هي العلاقة التي جمعت ألبيرتيني مع الفوضويين الآخرين، والتي لم يتمكن واجمان من معالجة الهشاشة التي شابتها.

دلالات
المساهمون