لا يخفي أحد الذين التقوا الحريري أخيراً، أن الرجل يُمارس العمليّة السياسيّة من منطلق الحدّ من الخسائر. يرى الحريري نفسه مهزوماً، ولذلك يُريد انتخاب رئيس للجمهوريّة والعودة إلى رئاسة الحكومة، عساه يحدّ من تلك الخسائر. من هنا، جاء ترشيح الحريري لرئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيّة لرئاسة الجمهوريّة. هو ترشيح اليائس إذاً؟ يهزّ مسؤول في تيار المستقبل رأسه موافقاً. إنه ترشيح اليائس بعد فشل الحريري في إدارة معركته السياسية والعلاقة مع جمهوريه، لأنه لا يملك أي استراتيجية. فشل يكاد يكون انعكاس للصورة الإقليمية كما يُردد هذا المسؤول.
وماذا يُمكن للحريري أن يفعل إذا ما تولّى رئاسة الحكومة؟ هل أخذ التزامات بأن يُسمح للحكومة بأن تعمل بشكلٍ طبيعي، بدل أن تواجه العرقلة التي واجهتها حكومة تمام سلام؟ أو أن تتم إقالة الحريري كما جرى في حكومته عام 2011؟ ينفي الحريري لسائليه أن يكون قد حصل على أيٍ من تلك التعهدات من فرنجية أو من غيره.
اقرأ أيضاً: "السنية السياسيّة" في أضعف مراحلها اللبنانية:أزمة تيار المستقبل نموذجاً
يُكرر عدد من مسؤولي تيار المستقبل، كلاماً عن تحولات يلمسونها بين جمهورهم في لبنان. أبرز تلك التحوّلات، الانتقال التدريجي من شعور الطائفة السنية، بأنها أكثرية، وأن الدولة تُمثّلها "وهذا أمرٌ تناقله السنة منذ الدولة الأموية" إلى الشعور بأنهم أقليّة، وأن الدولة خصمهم الأول. يشرح أحد المسؤولين، كيف أن هذا الشعور الأقلوي بدأ عند سنة العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، ومنظومة الحكم التي كرّسها الأميركيون ثم الإيرانيون. ويلفت إلى أن السوريين كانوا عرضة لهذا الأمر بعد بداية ثورتهم.
في الحالة اللبنانيّة، فإن هذا الأمر بدأ بالظهور بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005، وتعاظم مع تزايد الممارسات "المتسلطة من قبل حزب الله مثل أحداث مايو/أيار 2008، وإقالة الحريري وحصار عرسال وانتشار سرايا المقاومة وغيرها" بحسب ما يقول هذا المسؤول. لكنه، يلفت إلى أن المناخ السني العام، أبقى حتى اليوم على علاقة جيدة بالدولة، فلم يُساند أحمد الأسير عندما تواجه مع الجيش اللبناني، رغم وجود رأيٍ سني يقول إن ما قام به الأسير لا يجسد سوى جزء صغير مما يفعله حزب الله، والأمر عينه بالنسبة لاحتلال مسلحي "داعش" لعرسال لبضعة أيام في أغسطس/آب 2014، أو في أحداث طرابلس، "لكنني أتخوف من أن الوضع لن يستمر على هذه الحالة".
يعود مسؤول آخر في تيار المستقبل، إلى كتاب صدر أخيراً عن صعود "الجهاديين" في فرنسا. يُشير إلى أن الكتاب يتحدث عن دور السجون والتهميش في صناعة "الجهاديين". "يتشابه الأمر في الحالة اللبنانيّة"، يقول الرجل. ويُضيف أن ممارسات حزب الله تدفع الشارع السني إلى الانفجار نتيجة شعور بالتهميش والإقصاء.
يلفت مسؤول ثالث في تيار المستقبل، إلى إحصاءات أعلنها وزير الأشغال العامة غازي زعيتر في إطار ردّه على اتهامات الأحزاب المسيحية له، بأنه يمنع الإنماء عن المناطق المسيحية، "وتبيّن أن المناطق السنية هي التي تتعرّض للتهميش الممنهج، خذ مثلاً: بلغت قيمة الأشغال في بعلبك ــ الهرمل نحو 26 مليار ليرة (17 مليون دولار) مقابل 12 مليار ليرة (8 ملايين دولار أميركي) لشمال لبنان ( غالبية سنية)".
يشرح أحد هؤلاء المسؤولين، كيف أن كلّ ما سبق ذكره، هو تعبير عن غياب المشروع العربي، في مقابل وجود استراتيجية محكمة لدى الإيرانيين، "لذلك ترى طرفاً يعمل بردة الفعل، فيما الآخر يحتكر الفعل، وقد توقع مسبقاً ما هي ردة الفعل". ويرى أن المشهد اللبناني "هو انعكاس للصورة الإقليمية، وإمعان الإيرانيين وحزب الله في استغلال هذا الوضع سيؤدي إلى الذهاب إلى مزيد من الحروب المذهبية بين السنة والشيعة". من هنا، فإنه يرسم مستقبلاً أسود للبنان. "لا نملك إلا تأجيل هذا الصراع قليلاً" يقول بأسى، معتبراً أن خيارات فريقه تنحصر بين الاستقالة من العمل السياسي، وترك الساحة للمتشددين، أو الخسارة التدريجية أمامهم. ما الحلّ إذاً؟ يبتسم قائلاً: "حتى يتعب المتشددون، سنة وشيعة". ثم يستدرك: "أو حتى تبرز فكرة جديدة، ويُنتج هذا المجتمع قيادة قادرة على إنهاء هذه الحروب". برأيه، الفكر القومي هو الأقدر على توحيد العالم العربي مجدداً. هو يستند إلى التجربة الأوروبيّة التي تلت الحروب الدينيّة. حتى ذلك الوقت، "يبدو أن دماء كثيرة ستُسفك".
اقرأ أيضاً: حزب الله وسياسته اللبنانية: نموذج لمواجهة السعودية بالوكالة