"العربي المستعمَر في المسرح الفرنسي": ما أهمله النقد

05 سبتمبر 2020
من معرض باريس الكولونيالي، 1931
+ الخط -

في مسرحيات "لو سيمون" لـ هنري رينيه لينورماند (1888 - 1951) و"أرق" لـ بيير فروندي (1884 - 1948) و"العبد المتجوّل" لـ هنري كيستيميكرز (1872 - 1932) و"فندق أطلس" لـ أرماند سالاكرو (1899 - 1989)، قام هؤلاء الكتّاب المسرحيّون الفرنسيّون بصناعة شخصيات فرنسية وعربية تدور حكاياتها في البيئة الجزائرية أو المغربية، وجاءت التمثيلات التي قدّموها عن شمال أفريقيا المستعمَر غير صادقة تماماً، ولكنها ليست سلبية أو كاريكاتورية تماماً كما كان مألوفاً بشكل مطلق أيضاً. حول هذه التجارب وغيرها من الكتابات المسرحية الفرنسية التي صوّرت العرب، وضعت الباحثة الأكاديمية الفرنسية إميلي غريغوري دراسة بعنوان "العرب المستعمرون في المسرح الفرنسي: من غزو الجزائر إلى المعارض الاستعمارية الكبرى (1830 - 1931)" صدرت قبل أيام عن منشورات "جامعة ليون 2".

تعود الباحثة في كتابها إلى أكثر من مئتَي عمل مسرحي مكتوب، وتذهب إلى أنَّ بعض المحاولات الفرنسية القليلة نجحت في أن لا تكون تكييفاً للبروباغندا الاستعمارية والخطاب الدعائي الفرنسي، فلم تقدَّم الشخصية المغاربية مرتبطة بفرنسا.

تتوقف المؤلفة عند تجارب روّاد من المسرح الشعبي والفني الذين قاموا بتمثيل نصوصهم في مشاهد تصفها بـ "الطليعية"، والتي خالفت المنطق المألوف آنداك تجارياً، وتحاول الإجابة عن أسئلة مختلفة من بينها: هل تمكّن هؤلاء المؤلّفون فعلاً من فكّ رموز الاستشراق والعادات الغريبة التي كان يجسّدها الغربي بالأزياء والإكسسوارات وطرق التمثيل والصوت والصور؟

تجارب قليلة نجحت في ألّا تكون تكييفاً للبروباغندا الاستعمارية

وعلى الجهة الأخرى، تدرس أيضاً تفضيل المؤلّف للإطار التجريبي الجمالي الذي حدّده المسرح الفنّي وكذلك المواقف النقدية والأيديولوجية المحتمَلة التي اتّخذها الكتّاب المسرحيّون للتعبير عن نظرة أُخرى بعيدة عن المركز، متسائلةً إن كان بمقدور المسرح أن يصبح مساحة بين شخصَين أو مساحة للحوار أو نقطة التقاء بين الثقافات؟

ترى الكاتبة أنَّ النقد ما بعد كولونيالي أهمل دراسة المسرح في تلك الحقبلة بأشكاله المتنوّعة والشعبية على وجه الخصوص، رغم أنه كان مصحوباً إلى حدّ كبير بالاستعمار الفرنسي لشمال أفريقيا وساهم في تشكيل روح استعمارية منذ هبوط القوّات الفرنسية في الجزائر عام 1830 حتى الاجتماع الإمبريالي الكبير الذي مثّله "معرض باريس الاستعماري" لعام 1931.
وكان المعرض، الذي عُرف وقتها بـ "المعرض الاستعماري الدولي"، قد أُقيم لمدّة ستة أشهر بهدف عرض الثقافات المتنوّعة والموارد الهائلة لما وُصف بـ "الممتلكات الاستعمارية الفرنسية"، ويمكن اعتباره اليوم أحد أسوأ أشكال استخدام القوّة الناعمة.

ومن بين أسباب إقامة المعرض، الانتقادات الألمانية التي وصفت فرنسا بـ "المستغلّ للمجتمعات الاستعمارية وأنها عامل التفسّخ والانحطاط فيها"، وحاولت فرنسا أن تبطل هذه الانتقادات بأن جلبت فنّانين شعبيّين من المستعمرات الأفريقية إلى باريس في معرض كبير وجعلتهم يؤدّون فنونهم وحرفهم ورقصاتهم وعروضهم فيه، بحضور الدول الأوروبية الاستعمارية إلى جانب اليابان وأميركا.

كذلك حضر سينمائيون ومسرحيون، وكان نتاجه المزيد من التصوّرات النمطية عن سكّان المستعمرات، ومن هنا تقول الكاتبة إنه بناءً على الأحكام المسبقة القائمة وتقويتها، وفي القليل من الأحيان تشكيل أخرى جديدة لاحتياجات المشهد، أدّت المسرحيات المكتوبة في العصور الاستعمارية إلى تمثيلات متعدّدة لشكل "العربي"؛ فهو متوحّش، خادع، سخيف، غريب، المهمّ أنه بكل الأحوال أدنى من "الأبيض"، بينما يظهر هذا "الآخر" دائماً ككائن مسيطِر.

تستند دراسة غريغوري إلى التحليل التاريخي والاجتماعي والجمالي لمراجع مسرحية غير معروفة تقريباً، تضمّ ما يقرب من مئتي قطعة، ولا تكتفي بقراءة النص، بل تدرس أيضاً عرض تلك المسرحيات واستقبالها من قبل النقّاد ومختلف الجماهير، وتحاول أيضاً ألّا تُغفل القضايا الفنية البحتة، دون اعتبار أنّ من البداهة أنّ أي قطعة تمثّل "العرب" هي بالضرورة أيديولوجية بشكل لا لبس فيه.

يُذكر أنَّ إميلي غريغوري باحثة مشاركة في "معهد تاريخ التصورات والأفكار في الحداثة" (IHRIM)، يركّز عملها على قضية الآخر في الفنون الأدائية في مرحلة استعمار شمال أفريقيا.

كتب
التحديثات الحية
المساهمون