وأكدت مصادر مطلعة في فصائل المعارضة السورية المسلحة أنه لم يحدث "انقسام حاد" بين هذه الفصائل حيال المشاركة من عدمها في مؤتمر أستانة، مشيرة في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "عدم تمثيل بعض الفصائل في الوفد المفاوض لا يعني عدم دعمها له"، والذي يضم عسكريين معارضين وقادة فصائل قاتلت قوات النظام والمليشيات الإيرانية على مدى سنوات، وأجبرت الجانب الروسي على التعامل معها، بعد أن كانت موسكو تصنف بعضها في خانة "التنظيمات الإرهابية"".
وكانت وسائل إعلام معارضة قد أشارت، الاثنين، إلى أن اجتماعات أنقرة "التشاورية" بين ممثلين عن فصائل بالمعارضة المسلحة وشخصيات وناشطين مدنيين من جهة، وبين الجانب التركي من جهة أخرى، تمخضت عن انقسام واضح في الموقف اتجاه مساع تركية-روسية لجمع المعارضة والنظام على طاولة التفاوض في العاصمة الكازاخية أستانة.
وأكدت المعلومات المتطابقة أن الفصائل انقسمت إلى فريقين، رحّب الأول بالمشاركة، وحثّ على ذلك، فيما دفع الفريق الثاني باتجاه عدم الذهاب إلى أستانة، بسبب الخروقات المتواصلة لاتفاق وقف إطلاق النار من قبل قوات النظام والمليشيات الطائفية، خاصة في منطقة وادي بردى شمال غربي دمشق.
وبدأت منذ أسبوع اجتماعات أنقرة بعد أيام من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في سورية بضمانة روسية تركية، من أجل تمهيد الطريق لمفاوضات أستانة، الهادفة بداية إلى تثبيت هذا الاتفاق على الأرض، والتأسيس لمفاوضات تضع خارطة طريق لحل دائم يتم اعتماده في مفاوضات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، ومن المنتظر أن تعقد جولة جديدة في الثامن من فبراير/شباط المقبل.
وذكرت مصادر كانت من ضمن المدعوين للمؤتمر أن الأجواء "كانت مريحة"، مشيرة إلى أن الجميع "تحدث بصراحة متناهية"، ومؤكدة أن الطرف التركي "لم يضغط، ولم يهدد المعارضة من أجل الموافقة على الذهاب إلى مؤتمر أستانة كرهاً".
وأوضحت المصادر أن مسؤولين أتراكاً شرحوا، خلال الأيام الثلاثة الأولى من الاجتماعات، سلبيات عدم الذهاب إلى مؤتمر أستانة، مشيرين إلى أن إيران ترغب في انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، من أجل استكمال مشروعها في تهجير السنّة من سورية، والذين يشكّلون غالبية سكانها، وستتخذ من عدم ذهاب المعارضة إلى أستانة ذريعة لذلك.
وذكرت المصادر أن الأتراك أكدوا استعداد مليشيات إيران الطائفية لبدء معارك ضد المعارضة في عدة أماكن سورية، أبرزها ريف حلب الجنوبي للوصول إلى بلدتي كفريا والفوعا الشيعيتين بالقرب من مدينة إدلب شمال غربي سورية، وفي غوطة دمشق الشرقية لضرب طوق كامل على العاصمة دمشق.
وحذر المسؤولون الأتراك، وفق المصادر، من عمليات تهجير كبيرة سيقوم بها النظام وإيران في حال قررت المعارضة عدم دعم المساعي التركية الروسية من أجل عقد المؤتمر، موضحة أن الجانب التركي حذر من "نتائج كارثية" على الثورة والمعارضة السورية في حال ظهورها بمظهر معطل للمسار التفاوضي الجديد.
من جانبه، أشار الكاتب والناشط السياسي، أيمن هاروش، الذي كان حاضراً في اجتماعات أنقرة، إلى أن قادة الفصائل لم يصلوا إلى قرار واضح في الأيام المقررة لمشاورات أنقرة، وهي ثلاثة أيام، ما استدعى بقاءهم عدة أيام أخرى، حتى خرجوا بنتائج ترجح الذهاب إلى المؤتمر.
وذكر هاروش، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل من حضر اجتماعات أنقرة هم من أهل الثورة، ولهذا كانت المناقشات صادقة وشفافة، مع تنوّع الطرح"، مؤكدا أن ذلك "يدل على أن الجهة الداعية والراعية تدرك تماما من هم أهل الثورة".
وأكد المتحدث ذاته أن الجانب التركي "تلقّى الانتقادات والاعتراضات بكل رحابة صدر"، مشيراً إلى أن الموافقين والرافضين لمؤتمر أستانة "حريصون على الثورة".
وذكرت مصادر أخرى مطلعة على مسار المحادثات أن الأيام الثلاثة الأخيرة من اجتماعات أنقرة، والتي ضمّت عسكريين وقادة فصائل، "كانت صعبة"، مضيفة: "كان الانقسام واضحاً ما بين مرحب بالمشاركة، وبين رافض، ومتحفظ"، مشيرة إلى أن هجوم قوات النظام و"حزب الله" اللبناني على منطقة وادي بردى، ضاربة اتفاق وقف إطلاق النار بعرض الحائط، ألقى بظلاله على المداولات، إذ رأى بعض القادة أن عدم تحمّل الجانب الروسي مسؤولياته كضامن للنظام في الاتفاق يؤكد عدم جدية موسكو وعدم تحمّسها للتوصل لحلول.
وبحسب المعلومات المؤكدة، فإن قادة الفصائل الذين وافقوا على الذهاب وجدوا أن المؤتمر، على ضآلة الآمال بنجاحه، ربما يُسهم في الحد من عمليات التهجير الواسعة للسوريين، التي تقوم بها إيران، وتعجز المعارضة عن إيقافها، في ظل اختلال ميزان القوى بشكل واضح لقوات النظام وحلفائه.
كما أن هذه الأصوات رأت أن المؤتمر سيكون فرصة كبيرة لتأكيد عدم رغبة النظام وإيران في حل سياسي، وهو ما يُعزز شراكة روسية تركية، ويوسع هوّة الخلاف بين روسيا وإيران، وهو ما يصبّ في صالح المعارضة السورية.
كما أن الفصائل التي أبدت موافقتها كانت قد أظهرت موقفاً يتطلع إلى قبول حركة "أحرار الشام" الذهاب إلى موسكو، كونها "الأخت الكبرى"، والتي تمتلك حضوراً عسكرياً وشعبياً في الشارع الثوري السوري، ما يخوّلها منح المشاركة "شرعية"، مشيرةً إلى أن عدم حسم الحركة لمسألة المشاركة لعب دوراً في "شحن الأجواء" وتأخير اتخاذ القرار.