في ذكرى اليوم الدولي لإلغاء الرق: "العبودية الحديثة" تتفشى في بريطانيا

02 ديسمبر 2017
الأطفال يمثلون شريحة واسعة من الضحايا (Getty)
+ الخط -


في الذكرى السنوية لليوم الدولي لإلغاء الرق، الموافق الثاني من ديسمبر/كانون الأول من كل عام، لا يبدو أن "العالَم الحديث"، بكل مواثيقه الدوليّة التي تكفل حقوق الفرد وكرامته الإنسانية، ومؤسساته الحقوقيّة التي يفترض أن تضمن ذلك، قد استطاع فعلًا أن يقضي على هذه الظاهرة التي تعود بنا إلى قرون طويلة إلى الوراء. وفي هذا الإطار، يسلط "العربي الجديد" الضوء على ما بات يصطلح على تسميته بـ"العبودية الحديثة"، التي أخذت تتفشّى من خلال مظاهر مختلفة في بريطانيا، والعديد من دول العالم الأخرى.

ضحايا في المنازل والمؤسسات

تعرّف "العبودية الحديثة" بأنها "إجبار الأفراد على العمل تحت التهديد بالعنف أو بالخديعة أو الإجبار، ومن دون أجر يتجاوز ما يكفي للبقاء على قيد الحياة"، وهو ما يضع الملايين ضمن هذه الخانة؛ فالعبودية الحديثة تأخذ العديد من الأشكال، ومنها إجبار النساء على العمل في الدعارة، أو إجبار الأطفال على العمل في المزارع، وغيرها من حالات الإجبار القسري على العمل.

على ذلك، فإن العبودية موجودة في القارة الأوروبية لكنها خافية على أعين الناظرين؛ ففي العاصمة البريطانية، لندن، توجد العبودية في صالونات التجميل ومغاسل السيارات والفنادق. حالات قد تكون في مرأى من الجميع من دون إدراك حقيقة الأمر.

وتقدر منظمة العمل الدولية، التابعة للأمم المتحدة، وجود 21 مليون شخص حول العالم يعملون ضمن ظروف العبودية في بعض الأوقات. ويشمل تقدير المنظمة حالات الاتجار الجنسي وغيرها من حالات الاتجار بالبشر. ويقدر أن 90 في المائة من هذا الرقم يخضعون لاستغلال الشركات أو الأفراد، بينما 10 في المائة تستغلهم الدول أو المجموعات العسكرية المسلحة. ويشمل الاستغلال الجنسي نحو 22 في المائة من الرقم المذكور، والذي يعد رقماً متحفظاً جداً.

ووفقاً لأرقام منظمة العمل الدولية، تمتلك آسيا النصيب الأكبر بنحو نصف الرقم المذكور. أما من ناحية نسبة العبودية لعدد السكان، فتتصدر دول أوروبا الوسطى والجنوبية الشرقية القائمة من حيث الإكراه على العمل، لتتبعها أفريقيا فدول الشرق الأوسط.

وتعد التجارة بالبشر ثالث أكبر تجارة إجرامية بعد كل من تجارة المخدرات والسلاح. وتوجد هذه العبودية ضمن سلسلة عالمية من العرض والطلب، والتي تدر على تجارها أرباحاً طائلة.


وتشهد بريطانيا أيضاً عمليات اتجار بالبشر، وبالإضافة إلى أن عدداً من المواطنين البريطانيين يواجهون العبودية، يأتي أغلب الضحايا من دول مثل ألبانيا وفيتنام ونيجيريا ورومانيا وبولندا. كما أن أغلب الضحايا من النساء والفتيات اللاتي ينتهي بهن الأمر في ظروف العبودية المنزلية. أما غيرهن، وخاصة الأطفال، فيجبرون على العمل في مجالات الجريمة، مثل إنتاج المخدرات أو السرقة، ومنهم من يجبر على التسول. كما سجلت حالات تتعلق بالاتجار بأعضاء البشر.

ويدخل الفرد دائرة العبودية عادة نتيجة الحاجة التي مبعثها الفقر وانعدام الفرص، بعد أن يقدّم له تجار البشر عروضاً بالعمل في بريطانيا. وغالباً ما تحتاج الضحية الحصول على قرض لدفع تكاليف الرحلة.

ولدى وصول الضحية إلى بريطانيا، تكون ظروف العمل ونوعيته مختلفة عما وعدوا به. كما تتم مصادرة جوازات سفر هؤلاء من قبل المهربين، ويجبرون على العمل لسداد ديونهم قبل أن يغادروا. وعادة ما يستخدم العنف والتهديد ضد الضحايا وعائلاتهم في بلدانهم الأصلية.

روايات ضحايا

إحدى قصص المعاناة الكثيرة التي يكابدها الضحايا، هي لطفل من فيتنام يبلغ من العمر 16 عاماً، اضطرت والدته لبيع منزل العائلة بهدف توفير 10 آلاف جنيه لتهريبه إلى بريطانيا لينضم إلى والده. إلا أن الطفل وضع في شقة تتم زراعة نبتة القنب المخدرة فيها فوق أحد المتاجر في إنكلترا.

وتروي منظمة "جيش الخلاص" المسيحية الخيرية أن الضحية أجبرت على العمل ساعات مطولة في درجات حرارة مرتفعة من دون أجر، بينما جلب رجل الطعام للمستعبدين مرة كل يومين، قبل أن يقفل الباب بعد مغادرته.

وبعد غارة نفذتها الشرطة على الشقة، تم وضع الطفل في عهدة عائلة لتحميه، إلا أنه فر منها عائداً إلى المهربين على أمل أن يجتمع بوالده، ولكنه أجبر على العودة إلى العمل ذاته. وما لبث أن أجبر على العمل في الدعارة بعد أن قيل له إن ديونه تجاوزت 100 ألف جنيه، وجرى ضربه وتهديده بأذية والديه إن حاول الهرب.


ونشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية أيضًا شهادة يتيم نيجيري قدم إلى بريطانيا عندما كان عمره 14 عاماً بحثاً عن حياة أفضل. إلا أنه وضع في منزل طبيب استعبده بمشاركة زوجته في منزلهما الكائن غربي لندن. وجرت مصادرة جواز سفره وأجبر لأكثر من عشرين عاماً على العمل 17 ساعة في اليوم في الطبخ والتنظيف ومساعدة الزوجين على تربية أبنائهما، مقابل الحصول على فراش رديء ينام فيه ليلاً في زاوية المنزل.

وبينما حكم على الزوجين بالسجن لست سنوات عام 2015 بتهمة التعدي على طفل دون الـ16، إضافة إلى العبودية ومخالفة قوانين الهجرة؛ يرى الضحية، الذي يبلغ 41 عاماً الآن، أن حياته قد ضاعت؛ ويروي أنه أجبر على البقاء في المنزل من دون أوراق أو أجر أو تعليم، ما دفعه للبقاء في وضعه ذاك حتى سمع على الراديو بوجود منظمة خيرية تساعد ضحايا العبودية وتجرأ على الاتصال بهم.

رد فعل السلطات البريطانية

تقدر الحكومة البريطانية وجود الآلاف في ظروف العبودية في بريطانيا اليوم. ففي عام 2015، تم تحويل 3 آلاف شخص إلى المحاكم، منهم ألف طفل، كضحايا محتملين للعبودية. ولا يستطيع إلا 1 في المائة منهم ملاحقة المعتدين عليهم قانونياً، إذ يواجه هؤلاء تعقيدات تعود للمقاربة القانونية لمفهوم العبودية.

أحد أسباب ذلك أن جنسية الضحية تلعب دوراً، فالمرء يواجه احتمالاً أقل بالاعتراف به كضحية إذا كان غير أوروبي. كما أن القانون يتطلب من الضحية التقدم بالشكوى كأساس للملاحقة القانونية؛ إلا أن الضحايا غالباً ما يرفضون التقدم بالشكاوى القانونية خوفاً من التهديدات التي يواجهونها.

زيادة على ذلك، فإن دعم المؤسسات الحكومية للضحايا ليس بالكافي، وقد تعرضت للانتقاد من القبل المنظمات العاملة مع ضحايا الاتجار بالبشر. ففي حال أخذت الضحية القرار بملاحقة المعتدين عليها، يتم تحويلها إلى برنامج دعم يوفر مكاناً آمناً خلال فترة التقييم. ولكن فور الانتهاء من الإجراءات القضائية، يطلب من الضحية مغادرة مكان الإقامة خلال أسبوعين، ما يضعها في وضع صعب، ويجعل الضحايا أكثر تردداً في ملاحقة المجرمين، وهو ما يوحي أيضاً بأن الأرقام المتوفرة أقل من الواقع.

إلا أن العام 2016 شهد إدانة أول رجل أعمال بريطاني بالاتجار بالبشر بناء على قانون العبودية الحديثة الصادر عن البرلمان البريطاني عام 2015، والذي يعد الأول من نوعه في العالم. ويهدف القانون لتسهيل ملاحقة المتاجرين بالبشرين والتشديد من العقوبات ضدهم، إضافة إلى حماية الضحايا.

كما أن هيئة مكافحة الجريمة الوطنية قد أسست، العام الماضي، خطاً ساخناً يعمل على مدار الساعة، بوجود طاقم مختص، للتعامل مع الشكاوى والحالات المفترضة. وتعامل الخط، منذ تأسيسه وحتى الآن، مع نحو ألفي حالة موثقة من الاتجار بالبشر في بريطانيا.

المساهمون