"الطيب والشرس واللعوب"... فرصة جميلة لكنها مهدورة

17 نوفمبر 2019
تشارك مي كسّاب في بطولة الفيلم (فيسبوك)
+ الخط -
لوهلة أولى، يبدو "الطيّب والشرس واللعوب" (2019)، لرامي رزق الله، شبيهاً بعدد كبير من الأفلام المصرية، القائمة أساساً على جمع ممثلين من الصف الثاني في عملٍ واحد، بميزانية قليلة، وبشكل متواضع. عندها، إمّا أنْ يحقّق الفيلم مفاجأة، فينجح بشكل أكبر من المتوقّع؛ أو يُباع لاحقاً للقنوات الفضائية، بما يضمن لمنتجه عدم الخسارة.

الصورة الخارجية للفيلم غير مختلفة عن غيرها: محمد سلام وبيومي فؤاد وأحمد فتحي، ممثلو كوميديا مساندون في أفلام أكبر إنتاجاً. في الفيلم هذا، الأجواء نفسها الخاصة بالـB Movies، بحسب المصطلح الأميركي. لكن المفاجأة أنّ لصنّاع الفيلم طموحاً ووعياً بما يقدّمون، مستفيدين من العوامل المضادة (ضعف الميزانية وطبيعة الأبطال)، فيجعلونها جزءاً من عملهم. ورغم أنَّ التجربة تعيبها نواقص كثيرة، إلا أنها تظلّ جريئة وأفضل من المتوقّع.


هذا "الوعي" يبدأ من تصميم ملصق الفيلم، المرسوم باليد، كما كان يحدث مع أفلام الدرجة الثانية المصرية حتى 10 أعوام خلت. هذا الخيار ليس "شكلانياً"، فأحداث الفيلم تبدأ عام 1997، وأبطاله ثلاثة من نجوم السينما، يقدّمهم السيناريو بشكل فيه محاكاة ساخرة لنوعية أفلام ومسلسلات تلك الفترة الزمنية. ثم تنتقل الأحداث إلى 22 عامًا، فتُصبح في الزمن الحالي، والذي يشهد "أفول نجمهم"، إذْ لم يعد يتذكّرهم أحد. لذا، يُقرّرون السعي إلى نجومية مفقودة، بإنتاج فيلم جديد يتشاركون بطولته، فتبدأ رحلة كتابة السيناريو، والبحث عن إنتاج، وتنفيذ العمل.
ليست صدفة أن تبدأ الأحداث عام 1997. هذا تفصيل آخر، يُبرز وعي صنّاعه بخصوص ما يحكون عنه. هذا عام إطلاق "إسماعيلية رايح جاي" لكريم ضياء الدين، وبداية عصر جديد في السينما المصرية، مع نجوم كوميديا شباب يحتلّون واجهة المشهد السينمائي.
في "الطيب والشرس واللعوب"، هناك محاكاة ذكية وساخرة لأفلام الإغراء والجاسوسية (في الدور الذي تؤدّيه مي كساب)، أو الـ"أكشن"، والذكورة الطافحة (حينها، كان بطل كمال الأجسام، الشحات مبروك، نجماً سينمائياً)، وكذلك المسلسلات الصعيدية الناجحة، وهذه أنواع انقرضت مع انقلاب "المضحكين الجدد" (محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وغيرهما)، بحسب تسمية النقّاد لهم حينها. ومع انتقال الفيلم إلى الزمن الحالي، يفقد جزءاً من جاذبيته، إذْ يحاول إظهار الحياة الحاليَّة لأبطاله، بعد أن انتهت نجوميتهم.
لكن المواقف متشابهة وغير مضحكة إطلاقاً، قبل استعادة الفيلم عافيته بقوة، مع قرار "النجوم" صنع فيلم لإعادة نجوميتهم، فيظهر حينها مزيد من وعي رامي رزق الله، والمؤلّف رأفت رضا، وتأثّرهما الإيجابي بأفلام مشابهة في السينما الأميركية، كـ"إد وود" (1994) لتيم بورتون، والأهم The Disaster Artist، الذي أنجزه جيمس فرنكو عام 2017، إذْ تنبع الكوميديا من كيفية تغلّب الأبطال على عقبات الإنتاج، ورؤيتهم كيفية صناعة فيلم، خصوصا مع فكرة جاذبة. كأنْ يكتب مجرم سابق (بيومي فؤاد) السيناريو، ما يخلق مزيداً من كوميديا ذكية غير متوقّعة عن الشخصيات، وعن صناعة السينما.


في المقابل، فإنّ الفيلم فرصة مهدورة. فمع التأسيس الجيد للشخصيات وعالم الأحداث وخلق الأرضية المناسبة لتفجير الكوميديا، ثم بلوغ نهاية مقبولة ومتماسكة، يُقرَّر بشكل غريب اللجوء إلى حلولٍ سهلة وغير منطقية، في النصف الثاني من أحداثه، فتُترك عوامل الجاذبية الواضحة، ويتمّ اللجوء إلى أحداث فرعية مزعجة جداً، عن إرثٍ وإنتاجٍ وعملية سرقة، من دون أن يملك هذا التوجه مساحات كوميديا، كالخط الرئيسي المتعلق بصناعة الفيلم نفسه. كأنّ صناعه ينسون طموحهم الأساسي في الـ"باروديا"، وفي السخرية من صناعة أفلام "الدرجة الثانية"، فيقرّرون فجأة أن يكون فيلمهم واحداً منها.


دلالات
المساهمون