"الشوّافة" تغري المغاربة لمعرفة المستقبل

17 يناير 2017
المستقبل بين أوراقها (بول ج. ريتشاردز/ فرانس برس)
+ الخط -
يقصد العديد من المغاربة الأشخاص الذين يمتهنون قراءة الطالع، أو يدعون معرفة الغيب والمستقبل. ويسمّى "شواف" أو "شوافة"، من يزعم أنه قادر على كشف ما يخبئه له المستقبل. وتعدّ "الشوافة" شخصيّة أساسيّة في عالم الشعوذة، وتحتل مكانة مهمّة لدى بعض المغاربة بمختلف فئاتهم الاجتماعية والعمرية، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء، يحملون شهادات أم أميين، صغاراً أم كباراً، إناثاً أم ذكوراً. وما زالت قراءة الطالع ومعرفة الغيب تغري كثيرين في المجتمع المغربي.

وبهدف إقناع الشوّافة الزبائن بقدرتها على قراءة طالعهم ومعرفة مستقبلهم، تعتمد وسائل عدة، عمل الباحث المغربي مصطفى واعراب على تحديدها، منها "الكارطة" أو ورق اللعب، و"الخط الزناتي" أو علم الرمل، و"اللدون" وغيرها. في هذا الصدد، يقول الباحث إنّ "الكارطة" يعد تخصّصاً نسائياً بامتياز، تمارسه نساء معروفات في منازلهن، أو في جوار بعض الأضرحة أو الأسواق المعروفة بترويج مستلزمات السحر والشعوذة. يضيف أن المبالغ التي تحصل عليها "شوافة الكارطة" زهيدة، ولا تتجاوز 20 درهماً (نحو دولارين).

والطريقة الثانية التي تستخدمها الشوافة، بحسب الباحث، تسمّى "اللدون"، أي الرصاص المذاب الذي تتكهّن من خلاله المشعوذة بمستقبل زبونها، وهي طريقة تنتشر كثيراً في الأضرحة التي يأتي إليها مواطنون لقضاء حوائجهم. مثلاً، تأتي فتيات بهدف طلب الزواج، أو عاقرات يرغبن في الإنجاب. وبهدف شرح طريقة استخدام "اللدون"، يقول واعراب: "تضع الشوافة دلواً فيه مياه باردة بين قدمي الزبون، وتفرغ الرصاص المذاب في المياه، فيتصاعد منه بخار. وتنتظر قليلاً حتى تبرد قطعة الدون، فتتناوله من الدلو، لتقرأ في حفرها وندوبها معالم مستقبل الزبون". هنا، يكون ذكاؤها عاملاً رئيسياً لإقناع الزبون.

يضيف الباحث أنّ طريقة "الخط الزناتي" أو "ضرب الرمل" تعدّ أحد أكثر أشكال قراءة الطالع مصداقية، نظراً للهالة العلمية التي تحاط بها، مشيراً إلى طريقة أخرى تسمى "الدم المغدور"، ويعدّ دم كل شخص فارق الحياة في حادث قتل عنيف سحرياً، ويستخدم في وصفات لإلحاق الأذى بآخرين.



ولا تتمتّع جميع "الشوّافات" في المغرب بدرجة الشهرة نفسها. بعض الشوافات غير معروفات إلّا من سكان الحي، فيما يقصد شوّافات أخريات أناس من أحياء مختلفة. كذلك، تحظى بعض الشوافات بشهرة أكبر، وتستقطب زبائن من مدن محيطة. وهناك من يزورهن مشاهير وأثرياء وسياسيون.

من بين هؤلاء "الشوافات" امرأة في الستين من عمرها، اشتهرت بلقب "الزيزونة" كونها بكماء، لكنها ماهرة في استقطاب زبائن من الطبقات الغنية والميسورة. ويأتي إلى بيتها الواقع في إحدى الشقق القديمة في العاصمة الرباط، رجال أعمال ومثقفون وجامعيّون.

وتشتهر "الزيزونة" باستقبالها عدداً من الزبائن من الطبقة المخملية. تقرأ لهم الطالع، وتخبرهم عن المستقبل في حياتهم العاطفية والعائلية والمهنية. وعرفت أكثر بالتعامل مع عدد من الشخصيات السياسية والحزبية الذين يأتون "متنكرين" حتى لا يعرفهم أحد، كما يؤكد أحد أعوان "الزيزونة" لـ "العربي الجديد".

من جهته، يوضح مساعد الشوّافة أنّ معظم السياسيّين يقصدون الشوافة "الزيزونة" خلال الانتخابات. ويطلبون منها خدمات تتعلق بمعرفة مستقبلهم، وإذا ما كانوا سيحظون بمقعد في مجلس النواب، أم أن خصومهم سيفوزون. ويشير إلى أن أشخاصاً من طبقات اجتماعيّة راقية يتردّدون في طلب مساعدة الزيزونة.

وفي مدينة الدار البيضاء "شوافة" أخرى اشتهرت باستقبالها لاعبي كرة القدم، بعضهم نجوم ومشاهير في هذه الرياضة. يأتون إلى شقتها الفخمة التي حوّلتها إلى مركز لقراءة الطالع، من أجل معرفة طالعهم وحظوظهم في نواديهم الكروية، حتى أنها صارت تتحكم في مصير عدد من اللاعبين الذين يأخذون كلامها على محمل الجد، ويبنون عليه قراراتهم بشأن مغادرة فريق أو الالتحاق بآخر.

وفي مدينة وزان شوافة أخرى يزورها أثرياء ومسؤولون كبار وفنانات وممثلات. جميع هؤلاء يرغبون في معرفة مستقبلهم أو بعض الأمور عن حياتهم التجارية والمهنية. كذلك، يأتي إليها زبائن من بلدان عربية. لكن قبل أيام، اعتقلت من قبل قوات الأمن، بعدما عثر لديها على مواد خاصة بالشعوذة، بالإضافة إلى صور للعديد من الرجال والنساء والشخصيات المشهورة.
أمر كهذا لن يمنع عدداً كبيراً من المواطنين من زيارة "الشوافات" لمعرفة ما يخبئه المستقبل لهم. وفي حال فشلت إحداهن، سيبحثون عن "شوافة" قادرة على قراءة المستقبل بشكل أفضل.

دلالات
المساهمون