ويقول مصدر في الائتلاف الوطني السوري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "الهيئة التي كانت تتكئ على دعمٍ شعبي كبير لا يقبل التنازل عن مبادئ الثورة، واستمدت منه شرعيتها، واجهت ضغوطاً كبيرة جداً. وحاول تيار المحافظين فيها عدم الانحناء لهذه الضغوط التي لا تراعي أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة، لكن يبدو أن هذه الضغوط تنجح الآن في بلورة هوية مُهجنة للهيئة العليا للمفاوضات تحت شعار الواقعية السياسية".
ويذهب المصدر نفسه إلى الاعتقاد بأن "الرياض 2 سيخرج بنتائج سلبية، وما كنا نحذر منه ونحولُ دون حصوله منذ سنتين قد يصبح واقعاً الآن، وهو أن الهيئة العليا ما بعد الرياض 2، والوفد التفاوضي الذي سينبثق عنها، سيكونان عبارة عن جسم سياسي مهجّن يقبل بما تمليه روسيا داعمة النظام، وللأسف فإننا نرى أن المملكة العربية السعودية ذهبت لدعم هذا الاتجاه".
واكتمل، بحسب معلومات "العربي الجديد"، وصول نحو 144 شخصية سورية معارضة إلى الرياض مساء أمس الثلاثاء، ويمثل بعضهم تياره السياسي (الائتلاف الوطني، وهيئة التنسيق، وفصائل عسكرية) ووفد منصتي القاهرة وموسكو، فيما يعتبر غالبية الحضور من "المستقلين"، إذ يبدأون صباح اليوم، أول الاجتماعات الرسمية للمؤتمر الموسع لـ"قوى الثورة والمعارضة". وتمثل "الائتلاف الوطني السوري" 22 شخصية، فيما يمثل الفصائل العسكرية 21 من الحضور، ووصلت إلى العاصمة السعودية عشر شخصيات لتمثل "منصة القاهرة" وسبع لتمثيل "منصة موسكو"، فيما كان لافتاً أن عشرات الشخصيات المدعوة هي ممن تُحسب مستقلة.
ورجّحت مصادر حضرت أعمال "اللجنة التحضيرية" لمؤتمر "الرياض 2"، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يفضي المؤتمر إلى زيادة أعداد أعضاء "الهيئة العليا" من 37 لـ51 عضواً، قائلة إن التوسعة ستشمل الأعضاء الذين سيمثلون "منصة موسكو" و"منصة القاهرة" إضافة إلى شخصياتٍ مستقلة.
ولم تتبلور صورة واضحة حول القيادة الجديدة لـ"الهيئة العليا"، بعد استقالة رياض حجاب، وشخصيات أخرى كرياض نعسان آغا وسالم المسلط وعبد الحكيم بشار، لكن مصادر في "الهيئة" كانت قد قالت لـ"العربي الجديد" في وقتٍ سابق إن ثلاثة أسماء يتم تداولها حالياً لتتبوأ مكانة قيادية، وهي نصر الحريري ورجل الأعمال خالد المحاميد ورئيس "تيار الغد السوري" أحمد الجربا، مع تأكيد المصادر أن الفصائل العسكرية ترفض أي دورٍ للأخير في "الهيئة العليا". في المقابل، تتحدّث مصادر أخرى عن ثلاثة مرشحين، أحدهم مشترك مع اللائحة الأولى؛ أي نصر الحريري، والآخران ربما يكونان جمال سليمان، رمز منصة القاهرة، وهادي البحرة، الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري.
ولاقت استقالة المنسق العام لـ"الهيئة العليا" رياض حجاب مع شخصياتٍ أخرى من "الهيئة" ردود أفعال كثيرة في أوساط المعارضة السورية، التي اعتبرت أن "التيار المستقيل" كان واضحاً وجازماً في مسألة ضرورة رحيل رئيس النظام بشار الأسد، وهو ما كان يدفع بشخصياتٍ تُحسب على المعارضة إلى رفض الانضمام لـ"الهيئة العليا"، على اعتبار أن هذه الشخصيات، كقدري جميل رئيس "منصة موسكو"، لا تُعارض بقاء الأسد على رأس السلطة في البلاد، أثناء المرحلة الانتقالية وبعدها.
وأثار تصريحٌ لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، سخط "الائتلاف الوطني السوري" مما سمّاه الأخير "التدخل الروسي في مؤتمر قوى الثورة والمعارضة السورية"؛ إذ دان الائتلاف، أمس الثلاثاء، تصريحات لافروف التي اعتبر فيها خروج "الشخصيات المتطرفة" من "الهيئة العليا" من شأنه أن يدفع نحو توحيد المعارضة السورية، ويساهم إيجابياً في مفاوضات التسوية السياسية.
وجاء في التصريح الذي نقلته الدائرة الإعلامية في الائتلاف أن الأخير "يدين التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي بشأن المشاركين في مؤتمر قوى الثورة والمعارضة السورية في الرياض، الذي تنطلق أعماله الأربعاء، ويؤكد أن تلك التصريحات مرفوضة ومحل استهجان، وأن المؤتمر شأن سوري، وحضوره يخص السوريين وحدهم، باستضافة كريمة من قبل المملكة العربية السعودية".
وأكد الائتلاف، في تصريح صحافي، أن "المؤتمر يحظى باهتمام عربي ودولي، وأن ممثلي 30 دولة سيحضرون افتتاحه، ومحاولة الروس الإيحاء بدور خاص لهم هو محاولة سيئة النية للإضرار بوحدة المعارضة والتشويش على أعمال المؤتمر، وتدخّل مرفوض بشأن سوري داخلي".
لافروف الذي أبدى ارتياح بلاده لخروج حجاب وشخصياتٍ أخرى من "الهيئة العليا"، عبّر خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأرمني إدوارد نالبانديان، أمس الثلاثاء، عن مساندة بلاده لما وصفها بالجهود السعودية لتوحيد المعارضة السورية، وهو ما يشي بتقاربٍ سعودي - روسي حيال بلورة قيادةٍ للمعارضة السورية.
وتتهم مصادر في المعارضة السورية المملكة العربية السعودية بالتخلّي عن أهدافها المعلنة في "دعم الشعب السوري لنيل حقوقه المشروعة"، والتقارب مع حلف روسيا - النظام، على الرغم من أن إيران لاعبٌ أساسي في هذا المحور.
وأبدى معارضٌ وكاتب سوري، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أمس الثلاثاء، استغرابه من السياسة السعودية التي "تراجعت عن ضرورة رحيل الأسد بالسياسة أو بالقوة"، إذ قال إن "هذا ليس من صالح السعودية نفسها"، معبراً عن مخاوفه من "الاختراق الذي سيحدث في الهيئة العليا للمفاوضات الآن، وهو اختراق بدأ العمل عليه منذ سنتين، عندما خلق الروس منصات لكسر احتكار الائتلاف فضاء المعارضة السورية، وهذه المنصات على الرغم من علم داعميها بألا وزن ولا تمثيل شعبياً لها لكنها وجدت من أجل خلط أوراق المعارضة السورية، ولتؤدي دوراً قانونياً في المفاوضات والمحافل الدولية بحيث لا ينفرد الائتلاف والمعارضة ذات الوزن الشعبي بتمثيل جمهور الثورة والمعارضين السوريين".
وقال المتحدث نفسه إن "الهيئة العليا، وعلى الرغم من خروج رياض حجاب وشخصيات أخرى منها فإنها لا تزال تضم شخصيات وطنية لن تقبل بأن تشرعن دوراً لبشار الأسد في مستقبل سورية، وهذا يعني أن الهيئة قد تشهد مزيداً من الانقسامات مستقبلاً، وبالتالي فإنها قد تصبح قوة هشة، بعد أن كانت أقوى أجسام المعارضة السورية بسبب اتباع بعض القوى الإقليمية الداعمة لها سياسات انفعالية وارتجالية بدل التخطيط الاستراتيجي".
وكان مؤتمر "الرياض 1" للمعارضة السورية قد اختار في ديسمبر/ كانون الأول 2015 رياض حجاب، وهو رئيس مجلس الوزراء السوري الأسبق المنشق عن النظام في يونيو/ تموز 2012، منسقاً عاماً لـ"الهيئة العليا للمفاوضات" التي ولدت في مؤتمر الرياض ذاته، ليشكّل حجاب مع مجموعته وفد التفاوض لـ"جنيف 3" الذي ترأسه حينها الضابط المنشق عن قوات النظام أسعد الزعبي وكان نائب رئيس الوفد جورج صبرا، واختير رئيس المكتب السياسي لـ"جيش الإسلام" محمد علوش كبيراً للمفاوضين.
كذلك شكّلت "الهيئة العليا" تحت قيادة حجاب وفد المفاوضات لـ"جنيف 4" الذي استمرّ حتى الآن، برئاسة الأمين العام الأسبق لـ"الائتلاف الوطني" نصر الحريري، وجرى تعيين الحقوقي محمد صبرا كبيراً للمفاوضين (استقال أخيراً).
وسعى حجاب لدى توليه منصبه في "الهيئة العليا" إلى تقديم رؤية سياسيةٍ أظهر من خلالها نفسه كـ"رجل دولة" حريص على المحافظة وتطوير مؤسسات الدولة، لكنه بدا صارماً في موقف عدم التنازل عن "مبادئ الثورة" تحت شعار "الواقعية السياسية"، وهو ما أكد عليه في بيان استقالته أول من أمس الإثنين، وهو الذي كان قد أجرى خلال السنتين الأخيرتين جولات عديدة في العواصم الغربية، لتسويق رؤيته للحل في سورية.