وجد الشاب الموريتاني"الربيع أدوم"، نفسه مقيماً في مدريد منذ ست سنوات، مضطراً، مباشرة بعد فوران الربيع العربي، يقول: "خرجت من موريتانيا في عام 2011، تنقلت في البداية بين عدة دول أوروبية وقضيت فترة من الوقت في البرتغال، قبل أن أحط رحالي وأستقر في إسبانيا".
ترك "أدوم" دراسة الحقوق ليلتحق بمهنة المتاعب، الصحافة، أملا في تغيير ديمقراطي". يقول الربيع: "درست الحقوق ولكنني لم أعمل أبداً محامياً أو قاضياً، كنت صحافياً منذ 12 عاماً، وما زلت حتى يومنا هذا".
إثر الاصطدام العسكري مع الحكومة والذي انتهى إلى انقلاب آخر في عام 2008 "حصل انسداد، كُسر حلمنا بالحرية كشباب. لقد سنت مواد قانونية تتيح لوزارة الداخلية مراقبة الصحافة، ومصادرة الصحف".
خرج الربيع من بلده موريتانيا، كغيره من المهاجرين من الشباب العربي، مع الكثير من الأحلام والآمال، يوازيها العديد من الخيبات في البلد الأم، لكن السفر والهجرة تعني العيش في مجتمع آخر، غريب تماماً استحق منه الكثير من العمل لتحقيق الاندماج ولكي يشعر بأنه أصبح جزءاً من هذا المجتمع، لكن القضية الوطنية كانت دائماً حاضرة في ذهنه "لقد قرأت كثيراً في الأدب العربي عن التنظير السياسي من الخارج، وحلمت أن أحقق ذلك، خاصة في ما يتعلق ببلدي موريتانيا والتغييرات التي تحدث فيها".
وعن هذه التجربة الصحافية في إسبانيا، يضيف الربيع "في إسبانيا هناك الكثير من المجال للعمل، سواء على مستوى حرية الصحافة أو غيرها، والتحرك المدني، بطبيعة الحال كأي مجتمع أوروبي، خاصة ونحن في مرحلة ينمو فيها اليمين السياسي المتطرف، نواجه ثقل الشخص الغريب على المجتمع، أولا كشخص يحمل لون الأفارقة وتفكير المسلمين ولغة وثقافة العرب، تتعرض لاضطهاد مركب. الأفريقي لديه مشاكل خاصة في إسبانيا، وهي نظرة عالمية اتجاه الشخص صاحب البشرة السوداء، كل مشاكل الرجل الأسود أنا واجهتها هنا".
يحاول الربيع من خلال كتاباته الصحافية مساعدة الشباب الموريتاني على تجاوز الصحافة التقليدية وحثهم على استخدام الكتابة الإلكترونية، عمل أيضاً على إنشاء العديد من الحملات الصحافية للدفاع عن حقوق المرأة الموريتانية ومنع زواج القصر، كما كتب عن ضرورة تقليص دور القبيلة وإعطاء مجال للدولة ومؤسسات المجتمع المدني للتدخل للدفاع عن المرأة.
أما في ما يخص نشاطه ضمن الجالية العربية في إسبانيا، فيقول الربيع : "أنا أؤمن أن المثقفين ينقلون ثقافة بلادهم إلى المكان الجديد، في السنوات الأخيرة شاركت في العديد من النشاطات والندوات التي تسلط الضوء على الثقافة العربية. وخاصة القضايا الكبرى مثل الربيع العربي، القضية الفلسطينية والقضية السورية".
الجالية الموريتانية في إسبانيا جالية صغيرة العدد مقارنة بغيرها، إذ لا يتجاوز عدد أفرادها العشرة آلاف، يستقر أغلبهم في جزر "لاس بالماس" وفي مدينة برشلونة، يوضح الربيع: "الجالية الموريتانية هنا هي جالية عاملة، قلة معدودة من الكتاب والصحافيين فيها، نحن الموريتانيون بحكم وضعنا بين الشمال والجنوب بين العالم العربي وأفريقيا، نجد أنفسنا فاعلين أكثر في النشاطات الثقافية العربية والأفريقية".
يقوم مكتب الجالية الموريتانية في مدريد بتنظيم نشاطات يهدف معظمها إلى إبراز دور الصناعات التقليدية في موريتانيا، ومناقشة الاستراتيجية الموريتانية لمكافحة الإرهاب ، كما يوضح الربيع "نحن نقع على نقاط الغليان الموجودة في الساحل، فهم كجالية يحاولون إبراز الثقافة الموريتانية التي هي خليط من الثقافة العربية والأفريقية. وإظهار هذا التمايز الحضاري الموجود، بالتعاون مع منظمات ثقافية عربية وأفريقية".
يعمل الربيع على خلق نقاش من خلال تقاريره الصحافية، وتسليط الضوء على الأشخاص البارزين في النشاط الثقافي العربي في إسبانيا، مثل تغطية لقاءات مع شعراء وكتاب عراقيين وسوريين في محاولة للفت الانتباه إلى هذا النوع من النشاط، "أنا أحاول اكتشاف العرب من خلال العرب أنفسهم. احتك بهم وأحاول اكتشاف قضايا العالم العربي من خلالهم، لأن أغلبهم قادمون بنفس الفترة، مرحلة الربيع العربي".
بالنسبة للربيع فإن الدور الأساسي للمثقف العربي المغترب هو تغيير الصورة النمطية عن العالم العربي والإسلامي، والدخول في عالم الإعلام الإسباني، "العرب غائبون عن الإعلام، أنا تابعت عبر 6 سنوات ما تنشره الصحافة الإسبانية عنا، وهي تقارير مختصرة جداً وتعكس الصورة النمطية السيئة عن العالم العربي، قتل وإرهاب وانتهاك حقوق المرأة، رغم أنه ما زالت هناك اختراقات كبيرة على المستوى الاجتماعي والسياسي في العالم العربي، لكن العالم العربي لديه جوانب أخرى اقتصادية وثقافية وسياسية يجب إبرازها، هناك تجارب ناجحة في التغيير للأفضل وناس ينجحون حتى على المستوى الفردي وهذه الصورة غائبة تماما عن الإعلام هنا".